يظهر تقرير ينشر في عدد اليوم من «القدس العربي» تفاصيل لقاء لعميل لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) يدعى ناثان جيكوبسون مع الرئيس السوري بشار الأسد عام 2007 وحسب رواية جيكوبسون فإن الاجتماع استمر ساعتين ونصف، وأن الأسد كان عارفاً لمن يتحدّث وأنه قال «فكروا ماذا سيحقق السلام بين دولتينا. بين الخبرات التكنولوجية الإسرائيلية والقوى البشريّة لديّ/ تخيل أي قوة سنكون».
قائمة أفعال جيكوبسون خطيرة حقّاً وتتضمن المشاركة في اغتيال القيادي في حركة «حماس» محمود المبحوح في دبيّ، واختطاف مهندس نووي فلسطيني يدعى ضرار أبو سيسي من أوكرانيا، وهذه الأفعال لا تقتصر على القضايا الجاسوسية بل تمتدّ إلى أشكال بشعة من الفساد والأعمال المشبوهة.
لا تقدّم هذه المعلومة، والصورة المرفقة التي تؤكد حصول اللقاء، شيئاً مدهشاً في الحقيقة، فمسيرة الأسد المرفوعة على بحر من جماجم القتلى والآلام البشرية الهائلة أنهكت إمكانيات الخيال الإنساني على تصوّر حدود الفظاعات وعلى إمكانية توقع درجات الانحدار الأخير لهذه الشخصية ولمآلات أفعالها.
يحثّ الحدث، مع ذلك، على تحليل بعض الدلالات التي تبدأ من التقارب الضمني بين أساليب الأسد، من ناحية، وأساليب الموساد، وعميله جيكوبسون، والتي لا تتورّع عن أي طريقة فاسدة لتحقيق الأهداف الأمنية ـ السياسية المطلوبة، من أشكال الاغتيال والإجرام الصريح إلى التعاون مع المافيا وعصابات القتل وتبييض الأموال والمخدرات والرشاوى.
ما تزال سردية أن الأسد «مقاوم الإمبريالية» تجد بعض الترديد لدى جمهور متهافت يجمع، بشكل كاريكاتوري، بين أنصار الستالينية، والعلمانية الاستئصالية، والطائفيين المكشوفة، غير أن تجميع وقائع استدعاء الرئيس السوري لطيف واسع من الجيوش الأجنبية لحماية كرسيه (آخرها كانت قوات صينية!)، والوحشية الفائقة في قمع شعبه، مضافاً إليها قصص عديدة شبيهة بقصة جيكوبسون، تفتح المجال، ربما، لمقاربة أعمق للحالة السورية.
تشير هذه المقاربة بين نموذجي إسرائيل ونظام الأسد إلى مفارقة مفزعة وهي أن النظام السوري ينظر إلى شعبه كما ينظر الإسرائيليون إلى الفلسطينيين، ولعل السوريين المنتفضين على الأسد، يعتبرون أنفسهم في مواجهة جيش احتلال أيضاً، كما يعتبر الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
من دون هذه المقاربة سيكون من الصعب على العالم، وربما على الضحايا أيضاً، فهم كيف يمكن لرئيس بلد أن يخوض حرب إبادة وجودية ضد شعبه.
لقد شهد العالم في العصر الحديث عدداً من الطغاة الذين عرضوا شعوبهم لظلامات تاريخية هائلة، كما هو الحال مع الخمير الحمر في كمبوديا، وشيوعيي الصين وروسيا، لكن هؤلاء كانوا على تضاد هائل مع باقي العالم مما أدّى، في النهاية، إلى رحيل تلك الأنظمة أو خضوعها لتغييرات هائلة.
أما في حالة الأسد، فلا يبدو العالم متعجلا ولا راغبا في رحيل نظامه، ولعلّ كلماته لعميل الموساد تفسّر هذه المسألة.
القدس العربي