قال فايز السراج رئيس حكومة الوفاق أن على ليبيا استعادة السيادة لمعالجة أزمة الهجرة غير الشرعية التي تمر عبر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا في قوارب قديمة متهالكة غالبا ما تتعرض للغرق وتودي بحياة المئات وقال السراج إن تدمير قوارب مهربي البشر على السواحل الليبية ليس هو الحل لكن المشكلة يجب التعامل معها في دول المهاجرين الأصلية.
وأضاف «اعتقد أن ما تم انجازه من أجدابيا إلى سرت ومن مصراتة إلى سرت إنجاز جيد مقارنة بالإمكانيات لدى المقاتلين».وترى الدول الغربية الحكومة الجديدة كأفضل أمل لتوحيد الفصائل السياسية والفصائل المسلحة المتعددة في ليبيا لمواجهة الدولة الإسلامية ووقف تهريب المهاجرين.
وقفزت الأزمتان إلى سطح الأحداث خلال الأسبوعين الماضيين بعد أن أجبرت القوات الموالية لحكومة الوفاق مسلحي الدولة الإسلامية على التراجع في محيط معقلهم في سرت وبعد مقتل مئات المهاجرين في موجة جديدة من حوادث غرق القوارب التي غادرت من سواحل غرب ليبيا.
بعد سلسلة رحلات لزوارق أرسلت مئات المهاجرين إلى حتفهم في البحر المتوسط.. قال ناجون للشرطة إن المهربين احتجزوهم لأسابيع في منازل وكانوا يعيشون على وجبة واحدة في اليوم قرب الساحل الليبي. وأفادت روايات تم الإدلاء بها للشرطة الإيطالية أنهم نقلوا بعد ذلك إلى زوارق خشبية أو مطاطية ولم يحصل على سترات نجاة سوى من شارك في إدارة الزوارق.
ومع بدء تحسن الطقس بدخول الصيف يكافح المسؤولون الأوروبيون – الذين أبرموا اتفاقاً مع تركيا لمنع عبور المهاجرين إلى اليونان – بحثاً عن سبل لوقف التدفقات عبر المسار البحري الرئيسي الآخر إلى الاتحاد الأوروبي القادم من ليبيا.
ويأملون أن تتمكن الحكومة الجديدة المدعومة من الأمم المتحدة والتي وصلت إلى طرابلس في آذار / مارس الماضي من تحقيق الاستقرار. ووافق الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي على المساعدة في تدريب حرس السواحل الليبي. لكن مسؤولين ليبيين يقولون إنهم يعانون من نقص الموارد وقلة الحيلة في مواجهة مهربين يتمتعون بنفوذ قوي ويمارسون عملهم بدون خوف من عقاب ويتكيفون بسرعة مع الظروف الجديدة.
وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن 880 مهاجراً ولاجئاً على الأقل توفوا أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط الأسبوع الماضي. وأضافت أن الطريق من شمال أفريقيا إلى إيطاليا «أشد خطورة بكثير» من الطريق إلى اليونان حيث تقدر فرص الوفاة بواحد بين كل 23 شخصاً.
وتواجه الحكومة الجديدة تحدياً معقداً لفرض سلطتها في حين تعطلت جهود مواجهة مهربي البشر بسبب الصراع الدائر في ليبيا منذ انتفاضة عام 2011 ويشعر حرس السواحل بأنه تم التخلي عنه. وقال العقيد عبد الصمد مسعود من حرس السواحل في طرابلس «المساعدة الوحيدة التي تعرض علينا حتى الآن هي الوعود فقط».
وتقول إيطاليا إن أعداد الواصلين حتى الآن في عام 2016 انخفضت بنسبة اثنين في المئة عنها في الفترة نفسها من العام الماضي إلى نحو 40 ألفاً أغلبهم من دول مثل نيجيريا واريتريا وجامبيا والصومال. ولا توجد دلائل تذكر على عودة المهاجرين السوريين الذين كان عشرات الألوف منهم يسافرون عبر ليبيا إلى أن غيروا مسارهم إلى تركيا واليونان في 2015.
وبدلاً من ذلك عاد المهربون الذين جنوا ثروات من وراء هؤلاء المهاجرين الشرق أوسطيين للعمل على مسارات قائمة منذ فترة طويلة عبر آلاف الكيلومترات في الصحراء بين أفريقيا جنوبي الصحراء وغرب ليبيا. ولدى مرور المهاجرين عبر ليبيا يدخلون في شبكة تتسم بالفساد والانتهاكات وغياب شبه كامل لسلطة الدولة.
ويبقى الكثير من المهاجرين الأفارقة داخل هذه الشبكة لشهور وربما لسنوات حيث يستقر بعضهم أو يعودون لديارهم بينما يجمع البعض المال لمواصلة الرحلة إلى أوروبا. وتتحول قلة إلى الجريمة أو ينتهي بهم الحال إلى القتال في الصراع الدائر في ليبيا.
وقال إبراهيم شاويش عميد بلدية مرزق وهي بلدة صحراوية تقع على مسافة نحو 350 كيلومتراً من الحدود الجنوبية «كل المهربين على علاقة ببعضهم.. ويقومون بتمرير المهاجرين فيما بينهم».
وتابع أن المهربين يعبرون هذه الحدود بحرية ثم تتوجه قوافل مما يصل إلى 25 سيارة شمالاً بدون أن يوقفها شيء. وتابع قوله «أحياناً هناك بوابة تفتيش عند أحد مداخل المدينة ولكن دائماً يستطيعون أن يسلكوا طريقاً مختلفاً».
وليس هناك عمل شرطي ولا توجد مساعدات خارجية تذكر. وتعهدت ألمانيا بمبلغ 4.5 مليون يورو (خمسة ملايين دولار) لدعم المجتمعات في سبها والقطرون وهما منطقتان رئيسيتان على طرق المهاجرين لكن المسؤولين الليبيين يشكون من أن الجهود الدولية تنصب بالكامل على وقف العبور في البحر.
ورغم تحذير الاتحاد الأوروبي من مئات الألوف من النازحين الذين يمكن أن يعبروا البحر المتوسط يقول مسؤولون وعمال إغاثة في ليبيا إن نقص البيانات يجعل تقدير الأعداد بدقة أمراً مستحيلاً.
وحددت المنظمة الدولية للهجرة 235 ألف مهاجر في ليبيا لكنها تقول إن العدد الحقيقي يترواح على الأرجح بين 700 ألف ومليون مهاجر. ويقول مسؤولون وعمال إغاثة إن المهاجرين الذين يتم القبض عليهم عادة ما ينتهي بهم المطاف بالعودة لشبكات التهريب بعد إطلاق سراحهم أو حتى ترحيلهم.
وقال سالم الشوين مدير إدارة الهيئات والمنظمات الدولية لدى وزارة التعاون الدولي «لا يوجد فرق لأن تدفق القادمين أكبر من العدد الذي يتم ترحيله. والذين يتم إرسالهم إلى بلدانهم يعودون مرة أخرى لأنه لا يوجد أمن على الحدود».
وتمثل ليبيا التي يغيب فيها القانون بيئة خصبة للمهربين الذين عادة ما يعملون مع الفصائل المسلحة التي تملك السلطة الحقيقية على الأرض. وفي رد فعل غير معتاد طالب سكان زوارة- وهي معقل منذ فترة طويلة لتهريب البشر على مسافة نحو 50 كيلومتراً من الحدود التونسية- بإجراء ضد المهربين بعد أن جرف الموج جثثا إلى الشاطئ العام الماضي. ويقول حافظ بن ساسي رئيس بلدية زوارة إن بعض المهربين اعتقلوا وبعضهم فر هارباً.
لكن نقاط خروج أخرى للمهاجرين فتحت منها نحو ستة على الأقل بين زوارة ومصراتة على مسافة 300 كيلومتر باتجاه الشرق. وأغلب المغادرين في الفترة الأخيرة خرجوا فيما يبدو من منطقة محيطة بصبراتة التي شهدت اضطرابات في وقت سابق هذا العام وسط قتال بين كتائب محلية وتنظيم الدولة الإسلامية. وقال الشوين «وإلى أن يكون لدينا ما يكفي من التكنولوجيا لمراقبة كامل الساحل.. سوف يجدون دائماً فراغات».
ويتقاضى المهربون أسعاراً متفاوتة للأنواع المختلفة من الزوارق التي تتراوح بين سفن الصيد القوية المزودة بأنظمة رادار وزوارق مطاطية رخيصة ذات قاع خشبي بدائي الصنع. وحتى في البحر فهم يتجاوزون فيما يبدو القيود بسهولة نسبية.
ويقول حرس السواحل إن تهريب البشر مرتبط بتهريب المخدرات والوقود وإن الإمدادات الجديدة من زوارق المهاجرين تأتي عبر سفن تهريب من مالطا ومصر. وقال المتحدث باسم حرس السواحل الليبية في طرابلس العقيد أيوب قاسم »معظم قوارب تهريب الوقود تحمل مواد مستخدمة في تهريب المهاجرين أمام أعين الاتحاد الأوروبي».
وتقول «العملية صوفيا»- وهي مهمة بحرية ينفذها الاتحاد الأوروبي ومسموح لها بمصادرة الزوارق التي تشتبه في أنها تستخدم في تهريب البشر- إنها ساهمت في مصادرة عشرات المشتبه بهم و»حيدت» أكثر من 100 قارب.
وتخطط الآن لتوسيع مهمتها لتشمل تدريب حرس السواحل وتنفيذ حظر للسلاح تفرضه الأمم المتحدة وتقول بريطانيا إنها تعتزم نشر سفينة حربية في جنوب البحر المتوسط للمساعدة.
لكن بدون طلب من حكومة الوفاق الوطني الليبية لن تتمكن هذه المهام من دخول المياه الليبية. وحتى إن تمكنت من ذلك فليس من الواضح إلى أين سيتم إرسال المهاجرين الذين ستنتشلهم بالنظر إلى مخاطر تعرضهم لسوء المعاملة في ليبيا.
وأظهر تقرير برلماني بريطاني نشر الشهر الماضي أن العملية صوفيا فشلت حتى الآن في تعطيل التهريب «بشكل جدي». وقال التقرير «الاعتقالات التي نفذت حتى الآن كانت لأهداف منخفضة المستوى في حين أن تدمير الزوارق تسبب ببساطة في تحول المهربين من استخدام الزوارق الخشبية إلى الزوارق المطاطية وهي أقل أماناً بكثير».
القدس العربي