في فترة الاعياد، التي تكثر فيها المقابلات الصحافية، نشرت في ملحق «معاريف» مقابلة مع لواء متقاعد، كثير الحقوق. وضمن امور اخرى أوصى بالمبادرة في سوريا. «الدخول إلى هناك وخلق شبكة علاقات جديدة مع الشعب السوري». قال مفصلا، وأنا اقتبس: «ندخل لا كي نقاتل او نحتل، بل كي ننقذ الشعب السوري. اسمح لكل المليون لاجيء بالعودة إلى بيوتهم، اربطهم بالمياه، الكهرباء، احميهم. أقيم علاقات جديدة مع أجزاء هامة من السكان. فهل نحن نريد أن نواصل القتال معهم؟ إن لم يكن كذلك، فلماذا لا نبادر؟ لأنه لا توجد سياسة. لدينا القوة العسكرية، الاقتصادية والمدنية لنغير جوهريا وضعنا ووضع المنطقة كلها… توجد مخاطر، ولكن يجب النظر فيها حيال الفرص السياسية».
الحقيقة، لم اعرف إذا كنت سأضحك أم أبكي. انتظرت إلى أن يسأله الصحافي: «وكيف نفعل هذا؟»، «من هو الشعب السوري»؟ وسلسلة اخرى من الاسئلة. ولكنه لم يسأله بالطبع. لا يوجد أي معنى لتناول مضمون الاقتراح، ولكنه يطرح عدة مسائل مبدئية تعود في سياق ما يجري في المنطقة.
أولا، التطلع إلى المبادرة. هناك ايمان ديني بان مجرد المبادرة ستمنح إسرائيل مزايا وانجازات. في المسألة السورية كل مبادرة لنا هي برأيي بمثابة كارثة. ليس لنا أي نصيب وأي دور في صراعات الجبابرة الدائرة في الشرق الاوسط. محظور علينا حظرا مطلقا أن نضع أنفسنا علنا مع أحد الاطراف، لا العرب السُنة، لا الأكراد السُنة والا الإيرانيين الشيعة. صحيح أنه توجد مصلحة مشتركة بيننا وبين الدول السُنية حيال إيران، ولكنها سائلة وخائنة. نحن لسنا سنة ولسنا جزءا من الصراع الشامل بين الشيعة والسُنة. وانتبهوا إلى أن العديد من الدول السُنية تتنازع فيما بينها، وهي التي تقف على رأس الصراع السياسي ضدنا في كل منظمة دولية. وفي السياق الاضيق و «المحلي» ـ محظور علينا، برأيي، أن نتدخل علنا في صالح الدروز في سوريا، مؤيدي نظام القتل بقيادة الاسد، رغم الضغوط الداخلية.
لقد شهدت شخصيا المأساة اللبنانية، من بدايتها. أدخلنا رأسنا إلى الحرب الاهلية اللبنانية، أيدنا طرفا على آخر، خاننا في اللحظة التي باتت له هذه مجدية.
ثانيا، يوجد لدى غير قليل منا ايمان باننا قوة عظمى هائلة، فقط إذا ما تجرأت، فإنها ستؤثر على تصميم كل المنطقة. لا الروس، لا الأمريكيون ـ نحن الإسرائيليين سنؤثر. ان هذا غرور عديم الاساس الذي لا يختلف كثيرا عن الغرور عشية حرب يوم الغفران. تعالوا لنكون أكثر تواضعا وبساطة ولنقم أولا وقبل كل شيء بحل مشاكلنا الداخلية.
ثالثا، المسألة الاخلاقية. في سوريا يوجد اليوم قتل شعب على ايدي حاكمه وبمعونة الروس. وحتى في وكالات الأمم المتحدة وافقوا منذ الان على تعريف ما يجري هنا كإحدى جرائم الحرب الاخطر في التاريخ. ولكن هل سمع احد ما الرئيس الأمريكي يقول كلمة واحدة، تغريدة واحدة؟ هل سمع احد ما ميركيل، التي توجد في صوم؟ لا نحن من ينبغي أن يبادر، العالم الحر (لا يزال) هو من ينبغي أن يبادر بشيء ما. هو لن يفعل شيئا، وبالكاد يذرف دمعة. على خلفية الضعف الأمريكي الظاهر، الكل يخاف من بوتين المراهن مع المسدس. وسؤالان يبرزان: الاول، جوهري وحرج: ماذا يفعل الرئيس/ة الأمريكي مع بوتين وجرائم الحرب؟ الثاني، أضيق: بماذا سيهتم اوباما أكثر بين تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وكانون الاول/ديسمبر 2017: محاولة تلطيف مذبحة الشعب السوري أم «الانتقام» من نتنياهو؟
القدس العربي