الأسباب التي تدفع وزير شؤون الإعلام الناطق الرسمي الأردني الدكتور محمد المومني للإعلان عن استحالة عبور «فراشة» على حد تعبيره في اتجاه بلده من جنوبي سوريا خارج الأطر الشرعية لها ما يبررها خصوصاً وأن الحكومة الأردنية تواصل اتصالاتها الحثيثة ومع كل الأطراف لضمان عدم انتقال عدوى الفوضى وبـأي صيـغة إلى شـمال الأردن.
الفرصة أتيحت خلال الأيام القليلة الماضية لأن يقفز ملف الحدود الأردنية السورية إلى سطح الأحداث المهمة جداً في الوقت الذي انطلقت فيه مجدداً مناورات «الأسد المتأهب» بنسختها العسكرية الجديدة السنوية في رسالة تعيد التأكيد على ان أولوية الأردن المطلقة لها علاقة مجدداً بما يصفه الوزير المومني بالاحتياط دون انتقال اي عدوى فوضى ومن اي نوع عبر الحدود.
في مقايسات ومقاربات المؤسسة الأردنية الأمنية تم رصد التحول الدراماتيكي مؤخراً في طبيعة المواجهة والحرب بين إيران وإسرائيل داخل العمق السوري حيث توصف بانها اليوم مواجهة عالية التكنولوجيا وبطريقة غير تقليدية. تلك المواجهة تشغل ذهن صانع القرار الأردني اليوم قبل اي اعتبار آخر ليس فقط لان عمان تحاول التنويع في تكتيك التواصل مع النظام السوري وبكل الوسائل المتاحة لها.
ولكن لأن عمان منشغلة ايضاً بأن لا تتأثر جبهتها الحدودية مع سوريا بالتكتيك الإسرائيلي او حتى أيضاً بالسيناريو الإيراني، الأمر الذي يتطلب مراقبة غير اعتيادية بكل التفاصيل وحسابات عسكرية وامنية مغرقة في الدقة. وهو الوضع المعقد الذي يدفع وزيراً بحجم المومني لطمأنه الرأي العام الأردني بالتوازي مع رسالة للمجتمع الدولي وللأطـراف المعـنية يقـصد فيهـا الإشـارة إلى ان امكانيات بلاده صـلبة ودقـيقة وتمـنع عبور حتـى «الفراشة».
وبالرغم من مؤشرات التخبط السياسي عند بعض النخب الأردنية وتعدد الخيارات والطروحات بشأن التعاطي مع النظام السوري سياسياً إلا ان المؤسسة العسكرية الأردنية لديها امكانات كبيرة جداً في السيطرة التامة والمطلقة على الحدود وبوسائل وتقنيات عصرية جديدة ومتقدمة ومتنوعة. وقد ظهر ذلك في مرات عدة عند بروز اي محاولات لاختراق الحدود وعند تطبيق قواعد الاشتباك الصارمة مع كل محاولات التسلل سواء كانت عسكرية او امنية او إرهابية او لها علاقة بالتهريب على صعيد المخدرات او غيرها.
لا يريد الأردن استراتيجياً ان يعلق في مساحة المناورة داخل عمق الاشتباك الإيراني – الإسرائيلي في الأرض السورية. ولهذا السبب تفيد الأوساط الخبيرة والعلمية بأن الأردن لا يكتفي بالمراقبة على مدار 24 ساعة أمنياً وعسكرياً بل يدعم تجميد بعض أنواع وأنماط التعاون مع الجانب الإسرائيلي عند حدود سوريا الجنوبية ويحاول التأسيس لاختراقات مع النظام السوري على قاعدة المهنية العسكرية تحديداً لضمان التعامل مع أي تفاعلات تنتج عن عمليات عسكرية واسعة النطاق لها علاقة بسيناريو استعادة درعـا.
الأردن هنا تحديداً مهتم جداً بعدم استعمال الجانب السوري لسلاحه الثقيل وبمنع اقتراب الميليشيات الإيرانية إلى عمقه الحدودي وبعدم حصول فوضى أمنية تنتهي بنزوح ولجوء المزيد من السوريين. ولا تزال مصلحة الأردن بوجود جيش نظامي صلب ومتماسك في الطرف الآخر… وهي الرسالة التي يتم إيصالها للجانب السوري. وقد لاحظت مجسات عمان المعنية مؤخراً أن المستوى العسكري السوري يتدخل ويطلب من السياسيين في دمشق تخفيف حدة التوتر مع الأردن على اساس عدم وجود مصلحة بخصومة مع الجانب الأردني.
وفي الوقت ذاته يتحدث المحترفون عسكرياً في الجانب الأردني عن صعوبة التعامل مع مجموعات المعارضة المسلحة القريبة جغرافياً والتي تتميز بغياب روح الانضباط والعسكرية المحترفة خصوصاً ان حكومة عمان تريد ان تضمن ملاذ وكيفية تصرف فصائل الجيش الحر المسلحة في حال اندلاع عملية عسكرية. وهو وضع تكتيكي يرتكز على الجهد الاستخباري إلى جانب السياسي والميداني في الوقت الذي يبدو فيه ان اولوية الجيش السوري ووفقاً لآخر الرسائل التي أبرقت إلى عمان هي إدلب وليس القرى المتناثرة في درعا وجوارها في هذه المرحلة على الأقل.
وتلك رسالة تدفع الأردنيين لقدر من الاسترخاء ولو مؤقتاً وتظهر جانباً من المرونة من الطرف السوري تتعامل معها غرفة العمليات الأردنية بقدر من الاحترام والتقدير. بالتوازي دافع الأردن رسمياً عن مناطق خفض التوتر وفي نقاش مباشر لـ»القدس العربي» مع الوزير المومني اعتبرها مجدداً قصة نجاح فعالة تساهم في التأكيد على موقف الاستراتيجية الأردنية في استقرار الوضع الأمني في العمق السوري. ومسألة خفض التوتر تعبر عن المشروع الأردني الذي ينطوي على تنويع سياسي ميداني عندما يتعلق الأمر بالتعاون في الحلقة العسكرية مع الراعي الروسي لمسار الأحداث في العمق السوري.
الأردن مجدداً وضمن أولوياته لا يريد لجبهته الحدودية أن تتأثر بالمواجهة الاستخبارية والعسكرية الباردة رفيعة التقنية بين إسرائيل وإيران وسط قناعة بأن الميليشيات الإيرانية القريبة من جنوب سوريا ستحاول الاقتراب من الأردن إذا ما تطورت هذه المواجهة بين تل أبيب وطهران. وما تطرحه الغرفة الأردنية باستمرار وسط تفاعل الحسابات التكتيكية هو الحاجة الملحة لإجابة سورية «نظامية» على السؤال التالي: كيف ستتصرف قوات الجيش السوري إذا ما قررت سيناريو استعادة الجنوب؟
ذلك السؤال مهم جداً الآن في القراءة الأردنية لان عمان تريد ان تفهم ما إذا كان الجيش السوري سيستخدم السلاح الثقيل او يتحرك في ضوء نوايا الثأر والانتقام وعلى أساس ان مثل هذه النوازع ستؤدي إلى تجاوز الخط الأحمر الأردني الأكبر وهو المزيد من اللاجئين والميليشيات التي يصفها وزير الخارجية أيمن الصفدي بالطائفية.
المصدر: القدس العربي