إختلطت الأوراق مجدداً وكالعادة في الأردن خلال الساعات القليلة الماضية على أنغام هواجس سيناريو عودة الحراك الشعبي في الوقت الذي أنضمت فيه متأخرة قليلاً جماعة الأخوان المسلمين في إشارة حساسة لموجة الحراك الأخيرة وقررت تنظيم مسيرة ضخمة.
وبدا واضحاً ان الحركة الأخوانية أرادت التباين مسبقاً مع بقية الأطراف الناشطة على المستوى الحراكي عندما اختارت خلافاً لإيقاع عدة محافظات تنظيم مسيرة ضد «النهج الرسمي» في مسألة الأسعار وليس ضد حكومة الرئيس هاني الملقي.
هنا حصرياً وإستناداً إلى البيان الإعلامي الذي أرسلته جماعة الأخوان لـ«القدس العربي» يمكن رصد أول إشارة ذكية من الحركة الإسلامية قوامها اختراع موجة حراكية مستحدثة بعنوان النهج الرسمي بدلاً من مشاركة بقية الجماهير بعناوين الدعوة لإسقاط وزارة الرئيس الملقي.
الهتافات واليافطات التي رفعت من الجمعة الماضية في أربع محافظات على الأقل ركزت على الدعوة لإسقاط حكومة الملقي ومعها مجلس النواب المنتخب منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي فقط بينما قرر الأخوان تنظيم فعاليتهم برفقة ما قالوا انه تجمعات نشطة تمثل العشائر والشباب ضد ما سمّوه النهج الرسمي بمعنى خطة الدولة في رفع الأسعار وليس الحكومة.
ضمنياً عنصر التذاكي واضح وملموس في هذه الصيغة فبيان الإسلاميين يقول بأن الحكومة التي قررت رفع الأسعار قد تكون الحلقة الأضعف في معادلة القرار فيما يسمح التنديد بالنهج الرسمي بتوسيع قاعدة الإعتراض والحديث عما يسمّيه نشطاء اليسار بـ«السياسات الصندوقية». عودة الحراك المحتملة كانت قد أثارت إرتباكاً ملموساً في مختلف الصفوف وبدا أن تبادل»العتاب المر» بين رؤساء السلطتين التنفيذية والتشريعية بحضرة القصر الملكي المؤشر الأقوى على حالة ضبابية في الإطار المؤسساتي المرجعي.
وهي حالة تعزز الإرتباك بعدما دخل الشارع مجدداً وعلى نحو مفاجىء على مسار الأحداث تحت وطأة رفع الأسعار والضرائب وبصورة مبالغ فيها وغير محترفة.
وحتى تضمن المؤسسة المرجعية وحدة في الصف المؤسساتي إضطر القصر الملكي للتدخل حيث اجتمع الملك عبدالله الثاني شخصياً مساء الأحد برئيسي الوزراء والنواب ورؤساء الكتل وقادة المكتب الدائم في مجلس النواب. وبين ثنايا التوجيه الملكي يمكن تلمس ملامح الأزمة التي يستشعرها القرار المرجعي حيث تبادل الرئيسان الملقي وعاطف طراونة جملة قصيرة من «اللوم والملاحظات» وفقاً لمعلومات برلمانية خاصة حصلت عليها «القدس العربي».
الطراونة إشتكى عملياً من ان الحكومة تجاهلت مقترحات لمجلس النواب بتوفير «بدائل» لرفع الأسعار والضرائب وقابله الملقي بالتذمر من الطريقة التي رأى انها «غير لائقة» عند بعض النواب في مخاطبة الحكومة والوزراء. عملية اللوم بالحضرة الملكية إنتهت بإشارة فهم منها الجميع بأن المرجعية تلاحظ بأن العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب «ليست كما ينبغي» مع توجيه إضافي مباشر قوامه ان الطرفين مضطران للعمل مع بعضهما وبجدية وبلغة واقعية مع التخلص من أوهام الرحيل المبكر حيث يطالب الشارع الآن برحيل المجلسين الوزاري والنيابي. وفي هذه الزاوية قيل بأن سقف التعايش التشاركي بين السلطتين سيكون أربع سنوات هي تلك التي ينص عليها الدستور بمعنى ان المرجعية وجهت لقادة السلطتين رسالة مباشرة تقول بأن رحيل الحكومة والبرلمان تحت إيقاع ضغط الشارع غير مطروح والفترة الدستورية ستكتمل للطرفين.
تلقائياً يصبح المطلوب التعاون وتغيير لغة ولهجة التخاطب والعمل على أساس «الشراكة» وهي مفردة وردت في النص الملكي المباشر عندما نقلت وكالة الأنباء الرسمية عن الملك القول في نفس الإجتماع بأن الولاية العامة للحكومة والرقابة والتشريع لمجلس النواب.
التوجيه الأخير يوحي بأن مرجعية القصر بصورة «نقاش سابق» وجدلي بين الرئيسين ملقي وطراونة جرى بحدية على هامش ملف الأسعار حيث حاول الطراونة بإسم النواب التدخل بآلية وفنيات التسعير والضرائب فعارضه الملقي على أساس تمسكه بالولاية العامة فيما اتهم الملقي ضمنياً النواب بالإبتعاد عن مضمارهم الدستوري المتمثل في الرقابة والتشريع فقط.
عملياً بروز الحاجة لتدخل مباشر من القصر الملكي لا يعكس فقط الرغبة في ضبط الإيقاع الوطني العام بين المؤسسات في مرحلة حساسة وحرجة كما وصفها الملك لكنه يعكس أيضاً وجود «نقاط ضعف» في المؤسسات الحاكمة يدركها القصر مسبقاً وتضطره مجدداً للتدخل.
الموقف هنا يبدو ملتبساً لأن أوساطاً مقربة من الحكومة ما زالت ترى في الظهور المفاجيء جداً لاعتصامات الحراك الأخيرة مسألة «مريبة» وتحتاج لتفسير خصوصا وأن تقارير ومجسات الحكومة وتوصياتها الداخلية كانت تقول بأن موجة رفع الأسعار عبرت وبهدوء وبتفهم رفيع من الشارع. وهو ما ظهر عكسه تماما إبتداء من عصر الجمعة الماضية حيث تمكن النائب صداح حباشنة من تنشيط الشارع نكاية بحكومة الملقي التي وصفها بأنها «مصاصة دماء».
المصدر: القدس العربي