اتفاق وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ في الجنوب السوري الذي يضم محافظات درعا والسويداء والقنيطرة, فبحسب شهود عيان ساد هدوء حذر أقصى الجنوب السوري مع الساعات الأولى لبدء سريان الهدنة التي تمت بتوافق أطراف ثلاثة, وهي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة الأردنية الهاشمية, ضمن اتفاقية لتخفيف التصعيد قضت بمراقبة روسية لشروط التطبيق في أقصى الجنوب.
فبعد أسابيع من التصعيد العسكري من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة لها, وبتغطية جوية كبيرة, عاد الهدوء الحذر مجدداً ليشمل الجبهات الجنوبية بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في الجنوب, حيث تنص مذكرة التفاهم التي اتفقت عليها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأردن على تخفيض دائم للتصعيد, وإنهاء للأعمال القتالية في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء, وإنهاء الأعمال القتالية على خطوط التماس بين الفصائل السورية المعارضة وقوات النظام والمليشيات, إضافة إلى سحب قوات النظام إلى ثكناتها مايسمح بتهيئة الظروف لإقامة مناطق آمنة تمهد الطريق لعودة اللاجئين السوريين من الأردن إلى المنطقة الآمنة المفترضة بالجنوب السوري تباعاً, وإيصال المساعدات الإنسانية بعد تثبيت وقف إطلاق النار, وكان وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” قد كشف في وقت سابق أن وحدات الشرطة العسكرية الروسية ستتولى مهمة الإشراف على وقف إطلاق النار بالتنسيق مع الجانبين الأمريكي والأردني, وبتنسيق الإتصالات مع فصائل المعارضة السورية في المنطقة ومركز اتصالات يقام بالعاصمة الأردنية عمان.
الدور الأمريكي:
جاءت نتيجة الاتفاق الثلاثي بإنشاء منطقة لتخفيف التصعيد بالجنوب السوري, مطابقة للتوقعات بعد امتناع وفد الجبهة الجنوبية علن حضور مؤتمر أستانة تحت ضغوطات أمريكية, لأن الولايات المتحدة الأمريكية تطمح لتسوية في الجنوب السوري على الطريقة الخاصة بها نظراً لقربها من حدود حلفائها وشركائها “إسرائيل والأردن”, حيث اعتبر مستشار الأمن القومي الأمريكي “هربرت ماكمستر” أن وقف إطلاق النار في أقصى الجنوب السوري هو “أولوية” أمريكية وخطوة هامة, مضيفاً أن التقدم الذي تحقق يشجع على استمرار العمل من أجل تحقيق السلام الشامل في كافة أنحاء البلاد, وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمر بوتين الذي أشار إلى تغير في المواقف الأمريكية تجاه الوضع في سورية بعد أن أصبح أكثر واقعية بحسب وصفه.
دلالات:
في العلم العسكري, يطلق مصطلح هدنة أو إيقاف العلميات الحربية والقتالية لأجل غايتين, إما إنسانية أو سياسية, لكن الهدنة السورية في الجنوب السوري تحمل معان أعمق من هذا التوصيف والتشخيص, فهي جاءت نتيجة مصلحة أمريكية بحتة, بعد فشل كل من روسيا والنظام في تحقيق تقدم ملموس في آخر حملة عسكرية على محافظة درعا بهدف الوصول إلى منطقة الحدود السورية – الأردنية والسيطرة على معبر نصيب مع الأردن, فأقصى الجنوب السوري يقع تحت نفوذ وصاية القرار الأمريكي بشكل أو بآخر, خصوصا بعدما جعلت الولايات المتحدة الأمريكية منطقة التنف قاعدة عسكرية لها ولحلفائها من قوات مغاوير الثورة وجيش سورية الجديد.
قد لايبدو الإتفاق ملبياً للمطامح الروسية, ولكن نستطيع القول أن الولايات المتحدة الأمريكية استغلت فشل النسخة الخامسة من أستانة والتي انهت أعمالها قبل أيام قليلة بدون نتائج ملموسة لترسيم حدود مناطق خفض التوتر, وهذا ما يجعل فرضية قيام قوات النظام بإعادة شن عملية عسكرية على منطقة أقصى الجنوب السوري فرضية مستبعدة, فهذه المرة الطرف الضامن هو قوة عسكرية عظمى, وليست قوة إقليمية كما هو الحال مع ضمان تركيا للشمال السوري, لكن هذا الاتفاق يفتح خيارات أخرى امام روسيا والنظام لنقل الثقل العسكري إلى جبهة أخرى يشملها اتفاق أستانة الذي لم تحترمه روسيا نفسها, وهي الغوطة الشرقية وجبهة حي جوبر الدمشقي, سيما وأن الطائرات الروسية شنت عدة غارات جوية في محيط مدينة دوما منذ الصباح الباكر, هذا ما يحمل العديد من المحللين العسكريين للقول أن الهدنة في أقصى الجنوب السوري جاءت لغاية أمريكية بحتة, وليست من أجل العمل على بناء أرضية لإنهاء الصراع في سورية, فبقية الجبهات مازالت تحت مرمى نيران الأسد وروسيا وإيران..
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.