يبدأ الأسبوع القادم أول اختبار حقيقي للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي اختتم الجولة السابقة في محادثات جنيف غير المباشرة في 24 مارس الماضي بطرح وثيقة تتضمن خريطة طريق نحو الحل السياسي في سوريا. وفي معظم بنود هذه الوثيقة (12 بنداً) ألغام قابلة للانفجار، ومن ثم تفجير جهوده السلمية.
لكن المعضلة هي أن اللغم الأكبر هو أول ما سيواجه دي ميستورا، لأنه كامن في بداية العملية التي يسعى لإطلاقها، الأمر الذي يجعله الاختبار الرئيس لمهمته، وهو موقع بشار الأسد خلال عملية الانتقال السياسي، وليس فقط في نهايتها. فوفقاً للوثيقة، ستكون هناك آليات لحكم شامل وغير طائفي وذي صدقية، وبرنامج لصوغ دستور جديد وانتخابات حرة وعادلة بموجب هذا الدستور. ويعني ذلك أنه ستكون هناك هيئة حكم انتقالي لم تسمها الوثيقة ولم تحدد صلاحياتها. لكن أي تحرك جاد نحو حل سياسي يفرض أن تكون لهذه الهيئة صلاحيات تنفيذية واسعة. وهذا ما سكتت الوثيقة عنه، ولم تجب عن السؤال المحوري الذي يتوقف كل شيء تقريباً على طريقة التعامل معه، وهو ما إذا كان ممكناً التعايش بين الأسد والهيئة التي يُفترض تشكيلها، وكيف يتيسر تقسيم الصلاحيات بينهما بافتراض أن هذا التعايش جائز.
ولعل أخطر ما في هذا اللغم أن الأسد يستطيع إحباط عملية الانتقال قبل أن تبدأ، إذا رفض اضطلاع الهيئة الانتقالية بأية صلاحيات ذات شأن، ما لم تكن روسيا راغبة في ممارسة ضغوط مؤثرة عليه. وسيكون هذا اختباراً لروسيا، بمقدار ما هو امتحان للمبعوث الدولي. فقد برر بوتين تدخله العسكري المكثف لمساندة الأسد بأنه ضروري لتوفير مقومات التقدم نحو حل سياسي. وكان المعنى المضمر في هذا الموقف هو تغيير ميزان القوى، ومن ثم إضعاف المعارضة لكي تضطر لخفض سقف توقعاتها في المفاوضات.
لكن ما حدث هو أن تقوية نظام الأسد دفعته لرفع سقف توقعاته على نحو جعله العائق الأول أمام أي حل وسط يمكن أن تقبله المعارضة التي ذهبت إلى جنيف بعد خفض طموحاتها. وإذا لم تصحح روسيا هذا الوضع، فستؤدي طموحات الأسد السلطوية التي تجددت وتنامت إلى تقويَض جهود دي ميستورا كلها، وليست وثيقته فقط.
وليس ممكناً عبور هذا اللغم الأخطر من دون حد أدنى من المصالحة بين نظام الأسد والمعارضة الممثلة في “الهيئة التفاوضية”. والقاعدة العامة المستمدة من تجارب تسوية الصراعات هي أن المصالحة تتطلب وجود توازن على الأرض، وإدراك الأطراف استحالة حسم الصراع عسكرياً في ظل هذا التوازن، وبالتالي ضرورة تقديم تنازلات متبادلة. وهذه ما يُطلق عليها “لحظة الحقيقة” التي تتغير فيها المواقف وتصبح أكثر مرونة، وتتوافر بالتالي فرصة تاريخية لمصالحة تبدأ جزئية، لكنها تكون حقيقية وليست شكلية لعدم وجود بديل عنها.
وقد فرض التدخل العسكري الروسي على المعارضة أن تقترب من هذه اللحظة، وتصبح مستعدة لها، خاصة بعد التحول في موقف إدارة أوباما التي صارت تابعة لموسكو فعلياً في هذه الأزمة. لذلك يتوقف نجاح دي ميستورا في عبور هذا الاختبار الأول والأكبر، على مدى استعداد موسكو لمساعدته في ترويض موقف الأسد، وقدرتها على ذلك. غير أنه ليست هناك بوادر لهذه المساعدة عشية بدء الجولة الجديدة لمحادثات جنيف. مازالت روسيا تراوغ بشأن مستقبل الأسد السياسي، وتتجاهل أن تحديد موقعه في مرحلة الانتقال أصبح ملحاً وغير قابل للتأجيل. وتسير واشنطن وراءها في الخلط بين ترتيبات هذه المرحلة المؤقتة بطابعها، والوضع النهائي الذي يفترض أن يكون الحديث عن مصير رئيس النظام السوري مرتبطاً به.
فيا له من اختبار بالغ الصعوبة ذلك الذي يخوضه دي ميستورا في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة لتحديد مصير مهمته.
الإتحاد