في تلك اللحظة تمنّت لو تنزاح سنين العُمر لتعود شابّةً مدللة في بيتِ أهلها، مُنعّمة تطلبُ ما تشاءُ وقتما تشاء فتجدهُ حاضراً بين يديها..
انتابها شعور العجز، العجز الذي لم تستطع دفعه أو مواجهته إلا بحرارة الدموع المسترسلة على وجنتيها عندما لم تستطع أن تُلبّي طلب أطفالها الصغار لتطبخ لهم ما يشتهون في ذلك اليوم..
تعيشُ سحر (حماة، 35عاماً) مع أطفالها وزوجها وأُختيّ زوجها ووالدته في منزل متواضع بالإيجار في مدينة الريحانية بتركيا، وذلك منذُ قدومهم إلى المدينة في عام 2013، لتجد نفسها اليوم عاجزةً أمام تكاليف المعيشة المرهق، عن تأمين أبسط الاحتياجات لأطفالها الذين بلغ عددهم خمساً..
لم أرَ ضعفها يوماً خلال السنوات الثلاث التي قضيتها برفقتها إلا هذا اليوم، كانت القوية دائماً، المتفائلة رغم أنّها الأشدّ حاجة بين الجميع..
ولكن التضييق على السوريين في تركيا مؤخراً جعلها شخصاً آخر، انخفض صوت ضحكتها المتفائلة، وارتدت وجهاً من الهموم لا يشبهُ وجهها..
تقول في إحدى جلساتنا والهموم ترسم خطوطها على وجهها: يا جماعة ما حدا حواليه شي بيت؟ صاحب البيت بده يطالعنا، وفرط قلبنا ونحنا عم ندوّر على بيت ما حدا عم يرضَ يأجّرنا قال لأنه عيلتنا كبيرة!
والله الواحد ما عاد يعرف شو يعمل؟ نروح نكب نص الأولاد يعني؟
لا ولسة بدهم ل سنة أو ست أشهر ماعدا التأمين ألف ودلالة البيت ألف!
من وين بدنا ندبرلهم هالمبلغ!
تعملُ سحر مسؤولة نظافة في إحدى المنظمات بالمدينة، لتجد ما تسدّ بهِ ولو جزء بسيط من احتياجات أطفالها التي تكثر كلما كبروا عاما..
وكما هو حال أغلب المنظمات تستغلّ تعب هؤلاء وتضيفُ إلى غربتهم غربةٌ أشد لتتفضّل عليهم براتب لا يساوي ثلث راتب عامل اليوميّة، وذلك خلال ثمان ساعات عمل!
ودون أدنى شعور بالمسؤوليات المُلقاة على عاتقهم، ولكن يبقَ حال سحر أفضل من حال زوجها الذي لا يجد عملاً مناسب بعد أن كان الشابّ الغنيّ في بلدته، ليضطرّ للعمل في ورشات الأراضي، برفقةِ أختيه..
وتعود سحر مثقلةً بهمٍّ آخر؛ “أخت زوجي طلع معها كتلة بالدماغ وكتير عم تتعب، الله يستر وتمرق على خير يا رب..”
لتبدأ رحلة العلاج، ويتجدد الفقر بتوقف زوجها وأخته عن العمل، ويبقَ الأطفالُ جياعاً، وتكاليف كل ذلك يعتمد على راتب سحر الذي خصمت المنظمة نصفه بحجة عدم وجود الدعم..
تدخلُ سحر مستبشرةً بعد شهر ونصف من الحادثة لتخبرنا بأنّ حالة أخت زوجها استقرّت..
وقد وجد زوجها عمل بتوصيل الطلبيات، وظيفةً كسابقتها في المشقّة والتعب ولكنها أخفّ قسوةً على النفس للشابّ الذي نشأ في بيتِ غنىً وجاه..
تتزامن الضغوط مع المشكلة الكبرى، وهي عدم وجود منزلٍ يأويهم بإمكانياتهم الحاليّة لتقف العائلة حائرةً أمام نهاية رأس الشهر الذي تتمنى لو أنّه لا يأتي، وذلك مع الغلاء الذي تشهده تركيا في الفترة الأخيرة!
تعاني سحر وعائلتها كحال جميع السوريين في المهجر، خصوصاً مع العنصرية التي باتت واضحةً من بعض الأتراك في الآونة الأخيرة، ليقف اللاجئ السوري أمام هذه المشكلة عندما يجدُ صاحب البيت يرفض تأجير بيته بسبب: “أنت سوري؟ ما منأجر سوريين”
مُغلقاً سمّاعة الهاتف في وجهه كما تغلق الحياة أبوابها بوجهِ كلّ لاجئ يعاني صعوبة العيش بشكل طبيعي!
قصة خبرية/ مريم الرحمون
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع