شهدت الساحة السورية في الآونة الأخيرة العديد من الأحداث الجديدة, وبتسارع زمني كبير، وحملت تلك الأحداث في طياتها العديد من التناقضات والمفاجآت التي تمثلت بتحالفات عسكرية مرحلية على الأرض عكست موقف العديد من الكتل والفصائل التي تقاتل في الساحة السورية بمسميات عديدة وباسم “الثورة” على نظام الأسد.
إضافة لارتفاع وتيرة المجازر التي يرتكبها الطيران الروسي وطيران النظام بحق المدنيين السوريين الأبرياء, فأصبحت مراكز التوثيق تحصي عدد المجازر يوميا بعد أن كانت تقوم بإحصاء عدد الضحايا, فضلا عن تمكن النظام من توسيع خطة تطبيق الحصار على العديد من المدن السورية بما يهدد حياة عشرات الآلاف من الأسر السورية بكارثة إنسانية حقيقية, وهذا على الصعيد الداخلي.
أما على الصعيد الخارجي فكان من الملاحظ أن الساحة الدبلوماسية الدولية قد خلت من العديد من لاعبيها الأساسيين, لتصبح ملكا للقيادة الروسية ووزير خارجيتها “لافروف”, الذي استمر في إطلاق التصريحات المهينة بحق الثوار والثورة على الأرض, بل وزاد على ذلك, بتصريحات أخرى تعبِّر عن وقوف روسيا الكامل إلى جانب النظام في حربه على كل خصومه وبجميع مكوناتهم, وفرض الوجهة السياسية والتأكيد على الخطة والرؤية الروسية للحل السياسي في سورية.
أما السؤال الذي يطرح نفسه هنا, لماذا تخلو الساحة الدولية من لاعبيها في كل يوم جديد لتنحصر باللاعب الروسي وحده؟!
لماذا انكمش اللاعب الأميركي, بعدما أدار ظهره لنداءات الثورة السورية التي تدَّعي الولايات المتحدة الأمريكية دعمها.
لاشك أن الإدارة الأمريكية الحالية هي إدارة عاجزة عن مواجهة المشكلة السورية, ولاسيما بعد المواقف السياسية الضبابية لهذه الإدارة والتي تعبِّر عن وجهة النظر الأمريكية في تقديم الحلول للأزمة السورية, ويبدو ذلك جلياً في التناقضات الواضحة للعديد من التصريحات التي صدرت عن مسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون والتي عبَّرت عن وجود خلافات بين وجهات النظر للمسؤولين الأمريكيين في كل من وزراتي الدفاع والخارجية.
ولكن يتساءل أيضا المراقب الخارجي للوضع السوري, إن كانت الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن مواجهة أو إيقاف الدور الروسي في سورية, فلماذا استمرت تلك الإدارة في تعميق سياسة الاستثناءات؟.
والمقصود بها هي استثناءات للعديد من أدوار الدول الإقليمية العربية والأجنبية وخصوصا بمن هم يعرفون “بمجموعة أصدقاء سورية”, بل شملت سياسة الإقصاء تلك, العديد من الدول لتشمل الخارطة السياسية العديد من الدول الأوروبية التي كانت من أبرز الدول اللاعبة الأساسية في بداية الأزمة, إضافة للدور المحوري لكل من المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا.
إذا الإدارة الأمريكية الحالية تتحمل نتائج تلك السياسة التي جعلت من روسيا دولة مهيمنة على كل القرارات التي تتعلق بأبرز قضية حالية في قلب الشرق الأوسط وهي القضية السورية, ونواجه هذه الإدارة حاليا العديد من الاتهامات التي تصفها بالدولة المتواطئة مع الدولة الروسية التي ارتكبت العديد من المجازر بحق المواطنين السوريين الأبرياء جرّاء القصف المكثف من قبل طائراتها الحربية التي تقلع من قاعدة “حميمم” في مدينة جبلة السورية, وبصمت دولي مطبق يقوده الصمت الحالي للإدارة الأمريكية.
تستند تلك الاتهامات على مجموعة من المواقف المتغيرة والمتذبذبة للبيض الأبيض, ومنها التركيز في حربها على الإرهاب في سورية وتسخير كل الإمكانيات وحشد الرأي العام ضده وخلال فترة زمنية قصيرة, في حين أنها عجزت حتى الآن عن وصف تلك المجازر التي يرتكبها النظام السوري في سورية ب”الإرهاب”.
التنسيق مع كل الأطراف الدولية بما فيها تلك التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية من الدول الداعمة للأنظمة الديكتاتورية الشوفينية المضطهدة لشعوبها.
التراجع عن خطوطها الحمراء التي طالما صدَّعت بها الولايات المتحدة الأمريكية رؤوس السوريين ومن أهمها مسألة استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية, حيث اكتفت الولايات المتحدة بعقد بعض الاتفاقيات الدولية من أجل احتواء آثارها على دول الجوار لسورية فقط “اسرائيل”.
تضغط الولايات المتحدة دائما على المعارضة السورية لإجبارها على عقد الهدن مع النظام بما يوافق المصلحة الروسية السورية العسكرية المشتركة على الأرض, والتي دائما ما تنتهي بانتكاسة تؤدي إلى حصار مدينة من المدن الثائرة.
ولكن, لو فرضنا جدلا أن هذه الإدارة الحالية تتمتع بالعجز أو “التواطؤ” تجاه دماء الشعب السوري, لماذا تسعى بكل إمكانيتها لإلقاء حمل وتبعات الحرب السورية للإدارة القادمة؟,, وهل ستبقى سياسة الإقصاء والاستثناءات رهينة بهذه الإدارة الحالية وستنتهي مع نهاية ولايتها الرئاسية أم أنها ترسم خطوطا عريضة تعتبر بمثابة البوصلة التي ستوجه الإدارة القادمة؟.
الواضح من الأمر أن الساحة الدبلوماسية الدولية ستبقى رهينة لأفكار “لافروف” وحلفائه, وبالتالي استمرار المعاناة الكارثية للشعب السوري الذي يدفع ثمنا باهظا من حياة أبنائه مقابل التفاهمات والمصالح الدولية الخفية والعلنية!
المركز الصفي السوري-فادي أبو الجود.