تؤكد مصادر ديبلوماسية عربية، أن اجتماع لوزان على أهميته في محاولة الضغط أمريكيا للعودة إلى الحل السياسي والتهدئة، إلا أنه يعني ثلاثة أمور هي:
ـــ اللعب في الوقت الضائع دوليا، بحيث أن كل طرف يحاول الحفاظ على مواقعه، في انتظار تسلّم الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الحكم. لكن الروس ومعهم إيران والنظام السوري، أكثر ما يهمهم محاولة حسم الأمور وفرض وقائع جديدة على الأرض.
ـــ تحاول بعض الدول المتعاطفة مع المعارضة الحد من الأضرار من سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما «الكارثية»، وبعد التفاوض مع الروس الذي لم يوصل الأمريكيين إلى شيء، وأثبتت موسكو وإيران أنهما لن يغيّرا من مواقفهما، وأقصى ما كان يهدف إليه المؤتمر تقليل الخسائر الأمريكية، بعدما كان من يدعمون المعارضة لا يزالون يأملون بأوباما في تغيير شيء ما على الأرض. لكن لم يكن الأمريكيون يوما يريدون التدخّل الفعلي لحسم الأمور.
ـــ الإبقاء على حد أدنى من المقوّمات لكي لا يتم حسم الأمور في سوريا، بشكل لا توضع معه الإدارة الأمريكية الجديدة تحت أمر واقع معيّن.
الروس استعملوا استراتيجية التدرّج في الحصول على المطالب من الأمريكيين في الموضوع السوري. ففي موضوع تسليم الأسلحة الكيماوية كانت روسيا مثل الحمل الوديع. أما الآن فلم يعد هناك من فارق بين موقفها وموقف النظام من المعارضة في سوريا، حيث تقول من الصعب التفريق بين المعارضة والإرهاب.
الولايات المتحدة تشعر بأنها محرجة إزاء الوضع السوري، وأنها تخسر على المستوى الاستراتيجي وفي مجلس الأمن بحسب مصادر ديبلوماسية أخرى. وبالتالي، يجب أن تضع حدودا للعمل الروسي، وإطارا لأداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الموضوع السوري، وهو بدوره لم يعد يعرف حدودا في ذلك.
اجتماع الجمعة للرئيس الأمريكي ومعاونيه قد يكون فقط للضغط لإنجاح اجتماع أول أمس السبت للدول المعنية مباشرة بالأزمة السورية، بحيث يستعمل وزير الخارجية جون كيري هذا الضغط للتوصل إلى نتيجة من أبرزها التهدئة، ووقف النار. واجتماع البيت الأبيض قد يكون مصلحة للمرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون كجزء من معركتها الانتخابية. وبالتالي، هل تقوم واشنطن بالضربة قبل التاسع من الشهر المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية أم بعد هذا التاريخ. هذا إذا اتخذ قرارا بالضربة وبقي سريا.
وبحسب معطيات ديبلوماسية من داخل موسكو، فإن روسيا تستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية بتوجيه ضربة للنظام أو لمؤسسات عسكرية أو أمنية تابعة له، وحصول أي شيء من هذا القبيل يعني تورّطا أمريكيا مباشرا في الحرب السورية. الأمر المستبعد، لا سيما على مشارف انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما. كما تستبعد الضربة لأن الإدارة الحالية لا تريد توريط الإدارة المقبلة بأزمات جديدة. وما حصل إثر الهدنة الشهر الماضي من ضربة أمريكية طالت جنودا في النظام السوري، واعتبر الأمر خطأ، هو بمنزلة تهويل وضغوط على روسيا من قِبَل الأمريكيين. الولايات المتحدة قد تدعم بسلاح جديد ونوعي للمعارضة السورية، لكن ضرب النظام مباشرة صعب حصوله.
وروسيا تحاول أن تساعد النظام لتحسين شروطه التفاوضية، لكن السؤال: هل ستسمح الولايات المتحدة وتركيا بسقوط حلب من دون أثمان؟ لا يوجد شيء في السياسة بلا ثمن. وإذا سقطت حلب يعني بغطاء أمريكي – تركي، وأين سيكون الثمن وفي أي مكان؟ مع الإشارة إلى أن سقوط حلب إن كان سيحدث، يحتاج إلى أشهر طويلة، إلا إذا تم التوصل إلى تسوية غير محسوبة. وإذا لم تصل للمعارضة أسلحة متطوّرة، من المؤكد أن سقوط حلب يحتاج إلى أشهر، والسيطرة عليها لا يمكن أن تتم بسهولة.
وتقول مصادر ديبلوماسية مطلعة، إنه فضلا عن السبب المتّصل بعدم التدخّل الأمريكي في سوريا في مسألة ضرب النظام. هناك مسألة أخرى، حيث لا خوف من ضربة، ذلك أن معظم الاتفاقات مع الروس تضمّنت منع تحليق الطيران وعدم منحه حق التدخّل والقصف. كل الاتفاقات بين واشنطن وموسكو لم تنفذ، وبالتالي كان هناك قلق روسي من فكرة أنه طالما الطيران السوري لم يلتزم، من الممكن القيام بضربات ضده. وحصلت توقعات باحتمال ضرب أمريكي لمدارج الطيران وليس للطيران مباشرة، لأن لا يحق للطيران السوري أن يقصف. لكن الأمر الأساسي بالنسبة إلى الأمريكيين هو أنه يجب ألاّ يكون في سوريا غالب ومغلوب، بحيث لدى الجلوس إلى طاولة التفاوض يكون الطرفان أي النظام والمعارضة، في مراكز متقاربة، وبموازين قوى على الأرض معقولة، وليست محسومة. والدول الغربية تعترف أن النظام جزء من التسوية.
المستقبل اللبنانية