رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو قام يوم الجمعة بزيارة للعاصمة الإيرانية طهران، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تقاربا تركيا سعوديا من جهة وسعوديا روسيا من جهة أخرى، في ظل التوتر الذي تعيشه العلاقات التركية الروسية، والخلاف الذي أصاب العلاقات الروسية الإيرانية، ووسط تكهنات حول التفاهم الأمريكي الروسي بشأن تقسيم سوريا.
الأحداث في المنطقة تتطور بسرعة كبيرة والرمال المتحركة تتقلب في يوم وليلة، ويظل المرء متحيرا أمام هذا المشهد المعقد، ولا يدري من يقف إلى جانب من، ولا يستطيع أن يميز الحليف من العدو، في ظل المصالح المتشابكة.
هناك تفسيرات مختلفة حول سبب زيارة داود أوغلو لطهران، على رأسها رغبة أنقرة في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين والظفر بأكبر قدر ممكن من الكعكة الإيرانية التي يسيل لها لعاب الدول الغربية بعد رفع العقوبات. ولكن هناك تفسير آخر يدور الحديث حوله في تركيا، وهو أن أنقرة وطهران ترفضان إقامة دولة كردية في شمال سوريا، وبالتالي يمكن أن تتعاونا في التصدي لمشروع تقسيم سوريا.
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، خلال زيارته لطهران، دعا دول المنطقة إلى حل مشاكلها دون أن تترك المجال لتدخل قوى خارجية، في إشارة إلى إبعاد روسيا والولايات المتحدة عن الملف السوري. وهذه التصريحات تؤكد أيضا ما قاله محللون حول سبب الزيارة وإمكانية التعاون التركي الإيراني والعمل المشترك للحيلولة دون تنفيذ خطط تقسيم المنطقة إثنيا وطائفيا.
هناك عوامل ومؤشرات يرى هؤلاء المحللون أنها تعزز فرصة ترميم العلاقات التركية الإيرانية، وفتح صفحة جديدة، بعيدا عن خلاف أنقرة وطهران في الملف السوري، مثل فوز الإصلاحيين في الانتخابات الإيرانية وانزعاج إيران من تصاعد النفوذ الروسي في سوريا على حساب النفوذ الإيراني.
الرئيس الإيراني حسن روحاني، في مؤتمر صحفي عقده يوم الأحد الماضي في العاصمة الإيرانية، كشف لأول مرة عن خلاف بين طهران وموسكو حول الملف السوري، مؤكدا أن إيران لا توافق على أي خطوة تقوم بها روسيا في سوريا. وردا على سؤال بشأن الاقتراح الروسي المتعلق بإقامة فيدراليات في سوريا وكذلك عن الاقتراح الأمريكي المتعلق بتقسيمها، قال روحاني إن إيران تدافع عن وحدة سوريا وسيادة الدولة على كامل أراضيها.
ومن المؤشرات التي تشير إلى أن العلاقات الروسية الإيرانية ليست على ما يرام، تقارير تتحدث عن تجميد روسيا صفقة الصواريخ S300 مع إيران، بحجة وجود أدلة دامغة قدمتها إسرائيل عن قيام إيران بنقل تقنية متطورة من الصواريخ الروسية إلى حزب الله في لبنان. وكانت روسيا اشترطت على إيران عدم تسليم أسلحة متطورة روسية إلى حزب الله.
قد يكون ما يقال حول الخلافات الموجودة بين طهران وموسكو صحيحا، إلا أن هناك أسئلة تطرح نفسها، وهي: “هل هذه الخلافات تصل حاليا إلى مستوى يؤدي إلى تخلي إيران عن مشروعها الطائفي وحليفها روسيا لصالح علاقاتها مع تركيا؟”، و”هل طهران صادقة في زعمها أنها تعارض مشروع تقسيم سوريا؟”، و”إلى أي مدى يمكن الوثوق بالنظام الإيراني الحالي؟”، و”هل يمكن أن تتفق إيران وتركيا في مكافحة حزب العمال الكردستاني؟”
صحيفة يني شفق التركية المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، نشرت في عددها الصادر يوم الجمعة الماضي تقريرا يشير إلى أن إيران أرسلت إلى ريف حلب 1200 مرتزق شيعي لمساندة قوات النظام السوري، وأعطت عناصر حزب العمال الكردستاني في سوريا عن طريق جنرال إيراني 3.5 مليون دولار بالإضافة إلى منصات صواريخ، كما أن وسائل الإعلام التركية سبق أن نشرت تقارير عديدة تفيد بأن طهران هي التي تقف وراء تصعيد حزب العمال الكردستاني هجماته الإرهابية في جنوب شرقي البلاد.
حزب العمال الكردستاني بموجب صفقة عقدها مع طهران أنهى أنشطته الإرهابية في الأراضي الإيرانية. وقد يكون النظام الإيراني منزعجا من تراجع نفوذه في سوريا بعد التدخل الروسي المباشر، إلا أنه من الصعب تجاهل دوره في تعزيز مشروع التقسيم من خلال دعمه لوحدات الحماية الكردية الانفصالية وعمليات التطهير والتغيير الديموغرافي التي قامت بها المليشيات الكردية والشيعية في بعض المناطق السورية والعراقية.
تركيا وقفت إلى جانب إيران خلال مباحثات برنامجها النووي، ورفضت فرض مزيد من العقوبات الدولية على جارتها، إلا أن إيران وقفت مع روسيا في الأزمة الأخيرة التي تشهدها العلاقات التركية الروسية بسبب إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية انتهكت أجواء تركيا، وأعلنت أنها لن تسمح بتمرير المنتجات التركية إلى روسيا عبر الشركات الإيرانية، كما طلب مسؤولون إيرانيون من الحكومة بحظر السفر إلى تركيا ودعوا المواطنين الإيرانيين لعدم السفر إلى تركيا للسياحة، الأمر الذي دفع الأتراك إلى القول إن “إيران طعنت تركيا في ظهرها”. ويا ترى، هل ستلدغ أنقرة من الجحر نفسه مرة أخرى؟.