خطوة “القاهرة” تجاه “تل ابيب” أول من أمس تلت زيارة وزير الخارجية المصري إلى رام الله قبل أقل من اسبوعين.
وتيرة التحرك المصري هذا تشي بأن دعما اقليميا و دوليا يُلقي بثقله خلف تناول “القاهرة” لملف عملية السلام من جديد.
لا يبدو أننا أمام مبادرة مصرية منفردة بقدر ما نحن أمام محاولة للوصول إلى تسوية تتمحور ضمن أُطر “المبادرة الفرنسية” التي واجهت رفضاً و تعنتاً كبيراً من قبل حكومة “نتنياهو” بل وصل به الأمر إلى طرح “المبادرة العربية للسلام” كبديل لها.
مصر تُمسك بورقة مساومة مهمة، ألا و هي “غزة”، و بات طرفا المعادلة هنا، اسرائيل و حكومة “حماس”، بحاجة إلى التدخل المصري لمعالجة الملفات العالقة كالحصار الاسرائيلي و الجنود الاسرائيليين المفقودين في غزة و الحدود الآمنة.
حكومة “حماس” بدأت تشعر بعزلة كبيرة بعد التقارب التركي الاسرائيلي و من صالحها أن تكون مرنة مع “القاهرة” في سبيل تحقيق الحد الأدنى الممكن من المكتسبات و أقلها تخفيف الحصار الاسرائيلي و تسهيل العبور و البضائع على معبر “رفح” في مقابل وقف التهديد الأمني للداخل الاسرائيلي و عدم الوقوف في وجه انفاذ “المبادرة الفرنسية”.
“تل ابيب” استقبلت “موفد الرئيس المصري” و وزير خارجيته بترحاب شديد و هذا اعتراف ضمني بحاجة اسرائيل لتدخل اقليمي من دول ذات عمق جغرافي لحل مشاكلها الأمنية المتفاقمة التي لم تفلح كل اجراءات الأمن المتخذة بالحد منها و باتت حكومة “نتنياهو” تحت وطأة ضغط شديد في الداخل لحل تلك المشاكل سياسياً بعد أن اثبتت كل الحلول العسكرية فشلها.
مصر، بدورها، تعلم أن الأطراف الثلاثة، اسرائيل و السلطة و حكومة “حماس” بحاجتها فأرادت أن تستثمر في أوراق الضغط عبر الدفع باتجاه قبول “المبادرة الفرنسية” من كل الأطراف.
“نتنياهو” كان يناور لكسب الوقت بينما الفترة الرئاسية الأميركية الحالية على وشك الانتهاء و هذا يصب في اتجاه عدم منح المبادرة “الفرنسية” الزخم اللازم التي تحتاج دعم كافيا من “واشنطن” للاستمرار كون تبني “اوباما” للمبادرة لا يعني أن رئيس الولايات المتحدة القادم سيتبناها، أو على الأقل، سيمر وقت قبل أن يدخل “الشرق الأوسط” في حيز اهتمامات الرئيس الجديد و الادارة الجديدة مباشرة، لكن واقع الانتخابات الأميركية بمعطياته الحالية يشير إلى أن الفترة الرئاسية الجديدة قد تكون من نصيب الحزب الديمقراطي مرة أخرى و بالتالي رئيس جديد لديه الخبرة الكافية بشؤون الشرق الأوسط و كل هذا سيساهم في زيادة فرص نجاح التحرك المصري الأخير.
للوهلة الأولى، يبدو الحديث عن فرص السلام في الشرق الأوسط ضرباً من الخيال في ظل الفوضى و انتشار الارهاب، لكن الدول الكبرى باتت أقرب إلى قناعة كافية بأن نار الشرق الأوسط ستحرق الجميع.
ربما هذا ما حدا بالاتحاد الاوروبي لأن يرسل وفده، برئاسة نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الأوروبي ، إلى دمشق التي رغم أن النظام السوري هلل لها معتقداً بايجابيتها، هي احد عناصر استراتيجية “اوروبا” الجديدة في فهم المدخل لوقف التهديد القادم من الشرق الأوسط.
هل تنجح القاهرة في مسعاها؟
الظروف مواتية جداً لتسوية تولد من رحم الفوضى و ربما مفاجات سياسية كبرى قد تُجلس النظام السوري على طاولة المفاوضات مع اسرائيل من جديد و قد بات أكثر من جاهزٍ و ربما تواقاً لذلك.
الرأي الأردنية