قبل ستة أشهر تقريبا، زار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الإمارات، والتقى قياداتها هناك، وقد كانت هذه المبادرة بمثابة خطوة إيجابية من الجانب التركي لكسر الجمود السلبي في العلاقات بين البلدين، خاصّة أن لا مشكلة مباشرة بينهما كما هو معلوم بعيدا عن ملف الخلاف الوحيد المتعلق بطرف ثالث وهو مصر.
بعد تلك الزيارة، أرسلت الإمارات سفيرها إلى تركيا ليزاول مهمته من جديد بعد غياب طويل، كما تم الاتفاق على أن يزور وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد تركيا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أي في الشهر الجاري. وقد كان ذلك تعبيرا عن إرادة مشتركة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
صحيح أنّ هذه الخطوات كانت قد كسرت الجمود الحاصل في العلاقات السياسية التركية-الاماراتية، لكن العلاقات بقيت فاترة إلى حدّ ما، ولم يحصل الزخم المتوقع والمطلوب بما يتناسب وفتح الصفحة الجديدة، على الرغم من قيام تركيا بالخطوة الأولى.
في 15 تموز/ يوليو الماضي، وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، وفي اليوم التالي، أجرى وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد اتصالا هاتفيا بنظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، أعرب فيه عن حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على أمن واستقرار تركيا.
ورحب بن زايد كذلك بعودة الأمور إلى مسارها الشرعي والدستوري، وبما يعبر عن إرادة الشعب التركي، متمنيا دوام الاستقرار والازدهار لتركيا وشعبها.
وألقت السلطات الإماراتية القبض على اللواء “جاهد باقر” قائد القوات التركية في أفغانستان، إضافة إلى قائد مكتب التدريب والدعم والاستشارة، ضمن القوات التركية في كابول العميد “شنر طوبشو”، في مطار دبي الدولي بطلب من أنقرة، وذلك أثناء من العاصمة الأفغانية “كابول”، وقامت بتسليمهما إليها.
وعلى الرغم من ذلك، اتهمت منافذ اعلامية عربية الإمارات وبعض الشخصيات المحسوبة عليها بدعم الانقلاب.
ومع أن مثل الأخبار غالبا ما كانت تستند الى انطباعات، إلا أن بعض القنوات الإعلامية المحسوبة على الإمارات كانت قد ذهبت بعيدا بالفعل في التغطية السلبيّة المؤيّدة للانقلاب، وهذه حقيقة أضيف إليها لاحقا موضوع الاستضافة الإعلاميّة لفتح الله غولن المتّهم من قبل السلطات التركيّة بأنه يقف وراء الانقلاب.
تفادى الجانبان الخوض رسميا في هذه الاتهامات، ولم يكن من الواضح عما إذا كان وزير الخارجية الإماراتي سيزور تركيا في الوقت المحدد سلفا، أم أنّه سيلغي الزيارة نتيجة لما جرى.
أما الجانب السعودي فقد كان يخشى أن تتدهور الأمور في وقت هو في أمس الحاجة فيه إلى وحدة الصف وكل الدعم الممكن من الحلفاء والأصدقاء الإقليميين مع اشتداد الضغط عليه من قبل الخصوم والأعداء، بالإضافة إلى إدارة أوباما.
وفي السياق ذاته، تم تناول الموضوع الإماراتي بين تركيا والسعودية على مستوى رفيع وبشكل سريع، في سياق بحث الطرفين علاقاتهما الثنائية والإقليميّة في مناسبتين على الأقل، آخرها الشهر الماضي.
فقد عبر الجانب السعودي على اهتمامه في أن تكون العلاقات التركية-الإماراتية جيدة، وهو أمر أشار الجانب التركي إلى أنه لا يتناقض مع ما قام به من خطوات سابقة، بانتظار الخطوات الإماراتية. بمعنى آخر: الرسالة التركيّة كانت تعني أنّ الكرة في المعلب الإماراتي بما يتعلق بهذا الأمر.
وبذل الجانبان التركية والسعودي منذ تموز/ يوليو الماضي جهودا كبيرة لتوحيد الجهود الثنائية بما يتوافق والرؤية المشتركة لطبيعة التحديات الثنائية والاقليمية التي تواجه البلدين.
وقد نجم عن تلك الجهود زخم في العلاقات الثنائية وإعادة ترتيب الأوراق من جديد، إذ تم توسيع دائرة التفاهم لتشمل مجلس التعاون الخليجي بدوله كافة.
وفي هذا السياق، فقد كان للاجتماع الذي تم مؤخرا بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، وترأسه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أهمية كبرى لتحديد معالم المرحلة المقبلة وطريقة التعاطي مع المصالح المشتركة للجانبين في المنطقة، والأهم من ذلك آلية التضامن والتعاون والتنسيق.
النتائج التي خرج بها هذا الاجتماع توحي بأنه قد تم تجاوز أي عقد قد تكون موجودة أو ظهرت مؤخرا بسبب المحاولة الانقلابية الفاشلة بين تركيا ودول مجلس التعاون لمصلحة التركيز على التحديات الخطيرة التي تواجه الطرفين.
وبهذا المعنى يمكن القول إن خطوة إيجابية أخرى قد تحققت في سياق العلاقات التركية-الإماراتية لا سيما مع اعتبار دول المجلس بالإجماع جماعة فتح الله غولن منظمة إرهابية، وإدانة الاعتداء على سفينة “سويفت” المدنية التابعة للإمارات قرب مضيق باب المندب، واعتبار ذلك عملا إرهابيا يهدد الملاحة الدولية، ناهيك عن الإدانة الواضحة لإيران.
وقد مهدّ هذا الاجتماع للزيارة التي من المفترض أن يقوم بها وزير الخارجية الإماراتية عبدالله بن زايد إلى تركيا يوم الأحد ولقائه المسؤولين الأتراك بما في ذلك رئيس الجمهورية التركية.
هذه التطورات تشير بوضوح إلى أن هناك فرصة أخرى للدفع بالعلاقات التركية-الإماراتية قدما إلى الأمام وإعاطائها الزخم المطلوب، بعيدا عن الخلاف الأساسي المتعلق بالملف المصري، لا سيما مع تصاعد الإحباط لدى المملكة العربية السعودية والإمارات من نظام السيسي في مصر، على الرغم من أنهما يصنفان أكبر داعمين له في المرحلة السابقة.
د. علي حسين باكير – عربي 21