إلى أي حد يمكن لفرنسا أن تصل في مواجهتها مع تركيا بسبب النزاع مع اليونان؟ إنه السؤال الذي يتردد في الأوساط الأوروبية بعدما تورطت باريس أكثر من اللازم في نزاع كلاسيكي بين أثينا وأنقرة يتراوح بين التوتر المنخفض والعالي حتى ظهور الغاز والدور الذي ترغب فرنسا في لعبه.
واندلع النزاع الأخير بين تركيا واليونان بعد مؤشرات حول وجود الغاز في منطقة شرق المتوسط، وبالضبط في المياه المقابلة لتركيا وتعتبرها اليونان جزءا من مياهها الإقليمية والجرف القاري، وتعتمد في مطالبها باتفاقيات سابقة ومنها اتفاقية باريس عام 1947.
ولا يمكن استبعاد تطور النزاع بين البلدين بحكم وجود مؤشرات سابقة وحالية ومنها قرار تركيا غزو جزء من قبرص كرد على اليونان في منتصف السبعينات، علاوة على حالة أخرى وقعت خلال السنوات الأخيرة في نزاع مشابه وهي ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مواجهتها مع أوكرانيا.
وكان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون قد رسم حدودا حمراء لتركيا في النزاع الحالي، لكنها لم تفصح نهائيا عن الطابع الحقيقي لهذه الخطوط الحمراء، وبدورها لا يبدو احترام تركيا لهذه الخطوط المبهمة. ولا يجد الفرنسيون جوابا واضحا حول المدى الذي قد تصله فرنسا في مواجهة تركيا. وكان الموقع الرقمي تشالنج قد طرح مؤخرا هذا السؤال على الجنرال ديديي كاسترس الذي تولى حتى عام 2011 إدارة قيادة التخطيط للعمليات في القيادة العليا للجيش الفرنسي فقال إنه موضوع حساس للغاية، مشيرا إلى صعوبة الموقف الفرنسي كدولة غربية بعدما عمد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى ضرب مصداقية الدول الغربية نتيجة رفضه التدخل لضرب النظام السوري في أعقاب استعماله المفترض للغازات السامة. ويرى أنه منذ ذلك التاريخ لا أحد يأبه بتهديدات الغرب. في الوقت ذاته، يتحفظ على الخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس ماكرون قائلا: “من الأحسن عدم التعهد برسم خطوط حمراء حتى لا يتم التراجع في وقت ما عنها”.
ومن جانبه، يتخذ الجنرال فانسون ديسبورت موقفا وسطا، فمن جهة يتحفظ على الخطوط الحمراء خوفا من التراجع في لحظة، ومن جهة أخرى يرى خطاب القوة هو الذي يصلح مع رئيس من طينة التركي طيب رجب أردوغان.
ووفق مختلف المؤشرات، تبقى الخطوط الحمراء التي تعتقد فرنسا أنها رسمتها لتركيا هشة بل وصورية فقط لثلاثة أسباب وهي:
أولا، عدم توفر فرنسا على القدرة العسكرية لمواجهة تركيا في عقر شواطئها، إذ لا يمكن لفرنسا نقل الجنود إلى اليونان أو رفع التمركز العسكري في المنطقة لأن كل الأهداف ستكون في مرمى القوة النارية التركية.
ثانيا، يتخذ الاتحاد الأوروبي موقف البرودة من هذه التطورات، إذ لا ترغب الدول وخاصة ألمانيا التورط في ملف لا يعنيها كثيرا ومرتبط بمخططات باريس أكثر من مخططات الاتحاد الأوروبي، أي نسخة من الوضع الليبي حيث لباريس مصالح أكثر من باقي الأوروبيين.
ثالثا، لن يقف الحلف الأطلسي إلى جانب اليونان وفرنسا نظرا لعضوية تركيا في الحلف، وكل تدخل ضد أنقرة سيعني تقديم تركيا على طبق من ماس إلى روسيا والصين.
في غضون ذلك، رسمت فرنسا خطوطا حمراء لتركيا، لكنها تبقى صورية، وعمليا بدأت تتراجع عنها بشكل غير مباشر.
نقلا عن القدس العربي