“إني على الأرجح سأغادر الحياة عما قريب، وأنت ستعيش، باسم صداقتنا السابقة وباسم جميع الأعمال التي قمنا بها معاً، ارجوك أن تساعد بشار!” بهذه الكلمات أوصى حافظ الأسد قبل موته بأيام “صديقه”، كما سماه، مصطفى طلاس الذي أجابه على الفور “سأفعل كل شيء، لا تقلق!”.
في المشفى
الحوار السابق نقله الرئيس الأسبق لإدارة التعاون العسكري الدولي بوزارة الدفاع الروسية، والملحق العسكري الروسي لدى دمشق في فترة توريث السلطة لبشار الأسد عام 2000، الفريق “فلاديمير فيودوروف” في مقابلة تلفزيونية مع قناة “روسيا اليوم” حيث تكلم فيها باستفاضة عن عملية توريث بشار الأسد حيث كشف أن روسيا هي من طلبت من حافظ الأسد توريث ابنه بشار.
المشهد الذي نقله الضابط الروسي تم بحسب قوله في أحد مشافي دمشق حيث كان حافظ الأسد يخضع لفحوصات دورية وكان طلاس بنفس المشفى يخضع للعلاج وطلب حافظ الأسد زيارة طلاس وتم الحوار السابق بينهما وفعلاً مات الأسد بعد الحادثة بنحو الشهرين، بحسب شهادة فيودوروف، وقام طلاس بتنفيذ وصيته حرفياً ورعاية انتقال السلطة إلى الوريث بشار الأسد.
الإشارة جاءت من موسكو
بعد وفاة باسل الأسد الذي كان يتم تحضيره لوراثة نظام أبيه عام 1994 كان السؤال الأكثر تداولاً في أوساط النظام من يكون إذاً الوريث؟ ولعل حافظ الاسد هو من كان أكثرهم انشغالاً بهذا السؤال، وسط نظرات الطمع في عيون من حوله، لا سيما أن تجربته مع شقيقه رفعت الأسد لم تكن بعيدة، حيث خاض معه مواجهة كادت تتحول لصراع عسكري قبل أن يتم إبعاده نهائياً عن سوريا مقابل المال، والطريف في الأمر أن طلاس نفسه حول تلك المواجهة إلى قطعة خيالية مليئة بالخرافات في كتابه “ثلاثة أسابيع هزت دمشق”.
بطبيعة الحال، وكما هو متوقع، جاءت الإشارة من موسكو لتساير ماكان يفكر به حافظ الأسد، فهو كان قلقاً من أن ابنه الثاني بشار قد لا يلق ترحيباً وموافقة من قبل رعاته الروس، ولكن، وبحسب شهادة “فلاديمير فيودوروف”، الروس أوصلوا الرسالة بأنهم يشجعون توريث بشار، فهم كانوا مهتمين بوريث يتابع على خطى حافظ وبشار كان الخيار الأفضل وفعلاً “نفذ، دون شك، خط الحفاظ على تعاون بلدينا”.
المجلس العلوي الأعلى
وكشف الملحق العسكري الروسي أن خدام وطلاس تم استبعادهم من الخيارات المطروحة بسبب تقدمهم في السن ولأنهم من الطائفة السنية بينما كانت روسيا تدرك البعد الطائفي للنظام “بالنسبة لبشار الأسد، كنا نعرف أننا نتعامل مع علوي وليس سني، وأخذنا بعين الاعتبار البعد الطائفي” وأضاف فيودوروف أن ما يعرف بـ”المجلس العلوي الأعلى” في الساحل السوري كان له الكلمة الفصل وأن حافظ كان يلتزم بقراراته.
قام حافظ الأسد بتجهيز الساحة لابنه فأبعد رئيس المخابرات العسكرية “علي دوبا” ورئيس الأركان “حكمت الشهابي”، وكانت حركة تفريغ الساحة مما يسمى “بالحرس القديم” متوافقة مع طلبات روسية حيث قال مسؤولون روس لحافظ بأنه إذا أراد تطوير التعاون العسكري التقني معهم لا بد من إزاحة الحرس القديم عن هرم المؤسسة العسكرية وتعيين من هو أصغر سناً وحين سألهم عن مرشح قالوا له ببساطة “ابنك بشار مثلاً يمكن أن يقوم بهذا الأمر بشكل رائع”.
لن ينساها أحد!
بعد موت حافظ الأسد قام مصطفى طلاس ومن خلال سيطرته على المؤسسة العسكرية برعاية انتقال السلطة إلى بشار الأسد ويقول الصحفي خير الله خير الله “جرت عملية إبعاد باكرة لحكمت الشهابي وجرى تقليص لصلاحيات عبدالحليم خدّام الذي لم يعد أمامه سوى تنفيذ المطلوب منه. كذلك جرت عملية تهميش لكل الضباط العلويين الكبار، من أمثال علي حيدر، الذين كانوا يمكن أن يعرقلوا التوريث أو يحولوا دونه.
فجأة، وبقدرة قادر، صار مصطفى طلاس يمتلك الإمرة على القطاعات العسكرية وتولت ابنته، أرملة أكرم عجة، إبلاغ السلطات العليا السعودية والأميركية والفرنسية والبريطانية نبأ وفاة حافظ الأسد وذلك قبل الإعلان عن ذلك رسميا.”
الآن ومع وفاة مصطفى طلاس لا شك أن لدى السوريين الكثير من الأمور لقولها ولكن ربما يبقى دوره في تأمين انتقال السلطة في نظام حافظ الأسد إلى بشار الذي يشن حرباً هوجاء على السوريين منذ ست سنوات واستقدم الاحتلالات في سبيل ذلك تبقى إحدى الجرائم الكبرى التي لن ينساها أحد.
أورينت نت