لم تكن ليلة عادية كغيرها من ليالي الظلم والحسرات، ليلة ترقبها كثير من السوريين بلهفة وشوق متناسين أحزانهم وأوجاعهم، وكأنهم ينتظرون منتصف الليل في رأس السنة الميلادية ليبدؤوا عاما جديدا وحياة جديدة بعيدا عن حياة الحرب التي أثقلت كاهلهم وسرقت الفرح من قلوبهم.
وفي تمام الساعة “12” ابتدأ تنفيذ وقف إطلاق النار في عموم سوريا جراء مباحثات ثلاثية في أنقرة بين تركيا وروسيا وإيران وبموافقة طرفي النزاع المعارضة وقوات النظام، واعترضت المباحثات عدة معوقات والتي تمثلت بإصرار روسيا والنظام على استثناء مناطق الغوطة في ريف دمشق ومناطق سيطرة “فتح الشام” جبهة النصرة سابقا من القرار، ما تسبب بانسحاب وفد المعارضة للتفاوض من الجلسة وأخيرا تم الاتفاق أن ينفذ القرار في جميع المناطق السورية باستثناء مناطق سيطرة تنظيم الدولة.
ورغم انعدام الثقة بين طرفي الاتفاق، إلا أنه لقي ترحيبا كبيرا من قبل المدنيين سواء في مناطق سيطرة المعارضة أو حتى في مناطق سيطرة النظام، وذلك لأنهم المتضرر الأكبر من الحرب وبالأخص ممن يعيشون قرب مناطق الاشتباكات المباشرة.
فكانت التوقعات التي تدعو للتفاؤل قليلا تشير إلى أن الحرب انتهت فلا إطلاق رصاص ولا هدير طائرات ولا حتى قنابل أو قذائف تتطاير بشكل مفاجئ، بل سلام سيعم أرجاء سوريا وهدوء حذر يشمل جميع جبهاتها القتالية.
لكن هيهات لنظام أدمن الإجرام والقتل أن تلتزم قواته بقرار وقف إطلاق النار، فلم تمض بضع دقائق على سريانه ليبدؤوا بإطلاق القذائف والصواريخ بعد منتصف الليل مستهدفين قرى وبلدات في ريف حماه بالقذائف المدفعية والصاروخية غير آبهين بهدنة أو غيرها، ليعاودوا في الصباح أعمالهم العسكرية دون أدنى اكتراث لتلك الاتفاقية المزعوم من هجوم على عدة محاور في ريف دمشق لاشتباكات وقصف بمختلف أنواع الصواريخ والبراميل المتفجرة في سعي منهم للتقدم في مدن وبلدات الغوطة.
فعلق رامز من مدينة ادلب على خبر خروقات النظام المتوالية ساخرا:” لا تقلقوا من هذه الخروقات فالهدنة مازالت فاعلة ومستمرة، وما حدث ماهو إلا مناوشات عسكرية يجريها عناصر النظام لأن أيديهم معتادة على زر الزناد وعلى القصف فربما سيحتاجون لبعض الوقت للتأقلم على الوضع السلمي الجديد فيجب علينا تحمل طيشهم ولا مبالاتهم ريثما يفهموا ما معنى هدنة ووقف لإطلاق النار”.
شهيد في دوما وجرحى في كفرزيتا، ومجزرة في تادف بريف الباب في حلب وغيرهم في شتى أنحاء سوريا، في أول أيام الهدنة، ربما الليلة التي تأمل السوريون قضاءها والعيش في نعيم بعدها كانت سرابا ما لبث أن تبدد في لحظاتها الأولى، ففرحتهم لم تكتمل والمخاوف من استمرار خرقها وتداعياتها في الأيام القليلة القادمة تثير الريبة والشك في نفوسهم، فهل هي لعبة ثلاثية لصالح النظام، أم أنها بداية لمرحلة جديدة ستشكل فارقا في عمر الحرب؟.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد