عندما كان المطرب هاني شاكر يغني في قاعة الأوبرا وسط دمشق “علي الضحكاية” ويتمايل الحضور الذي دفع دولاراً فقط للحفلة ويطلق الزغاريد، كانت سيادة النظام تبكي بحرقة في زاوية المسرح فليست الضحكة هي من علت أكثر، بل الطائرات الإسرائيلية التي حلقت فوق بحيرة طبرية وانتهكت “السيادة السورية” بصواريخ استهدفت مطار دمشق وقطع عسكرية فيها، خلفت خمسة عناصرقتلى في خرق جديد ومزمن للسيادة، يضاف لأكثر من أربعمائة خرق سابق وفق صحيفة “جيروزالم بوست”، التي قالت بأن سلاح الجو الإسرائيلي ضرب 1200 هدف في سوريا بأكثر من 5500 قنبلة على مدى السنوات الخمس الماضية.
وعلى أنغام” جرحي أنا” يستمر النظام السوري في تجرع المرارة والاختراقات المتوالية بدون أن يرد وكأن حالة مغني الإحباط والعلاقات الفاشلة هاني شاكر تتماهى إلى حد كبير مع حالة النظام السوري، فذاك لا يكف عن الشكوى من ألم الفراق وعذابات الهجر والنظام لا يكف عن الاستنكار والشجب والتنديد والاحتفاظ بحق الرد ..فلا المحبوبة رجعت لهاني شاكر ولا السيادة المفقودة رتقت للنظام.
وبسبب تزامن حفل هاني شاكر مع قصف الطائرات الإسرائيلية أعاد البعض طرح مصطلح “لعنة الأسد” التي تصم كل من يحاول الاقتراب من هذا النظام أو الترويج له، وخاصة مع وجود قرائن كثيرة آخرها مقتل المغني اللبناني جورج الراسي في طريق عودته من حفل في سوريا، وقبله الرئيس السوداني السابق عمر البشير بعد زيارة لدمشق حيث أعلن بعدها الجيش السوداني اعتقاله والوزير جبران باسيل في لبنان بعد اندلاع مظاهرات تطالب برحيله بعد زيارته لدمشق ومقتل قائد ميليشيا فيلق القدس قاسم سليماني بعد زيارته لسوريا.
ليست المسألة سياسية فقط بل جذورها إنسانية وموقف أخلاقي يجب أن يقفه الإنسان تجاه الظالم والمظلوم، فعندما أعلن المطرب هاني شاكر عن زيارته لدمشق طالبه الكثيرون من محبيه وعشاق فنه “الحزين” بعدم الزيارة لا كره به، بل احتراماً لتاريخه الفني الطويل من أن ينهيه في “توريطة” دعائية يعدها النظام السوري ليظهر للعالم أن الأمن والأمان عاد “لسوريا الأسد” بحفلات الطرب والسهر، وأنه ليس هناك معاناة من انعدام أبسط الشروط الإنسانية وليس هناك ملايين المهجرين في دول اللجوء يعانون الأمرين ومثلهم في المخيمات يقاسون الويلات بسبب النظام الذي يغني له “هاني شاكر” .
ليست سوريا يا “أمير الغناء” مبنى الأوبرا ولا مكاتب المسؤولين الذين دخلت إليهم ولا السوريين، هم فقط دريد لحام ومحسن غازي وسلاف فواخرجي هناك الألاف من السوريين في السجون السورية وغرف “الملح” التي تكشفت فيها هناك الألاف من السوريين مدفونون بحفرة “التضامن”، هناك الملايين في الداخل والخارج يبكون بحرقة فقد عزيز أنت تصافح بنذالة يد قاتلهم.
محمد مهنا – مقالة رأي