طلب الرئيس اللبناني ميشيل عون عقد جلسة خاصة لمناقشة مشكلات تقف على أجندة الدولة، ومن بين المدعوين رؤساء حكومة ورؤساء سابقون وأعضاء الحكومة الحالية برئاسة حسان ذياب. عون يريد التشاور معهم، وبالأساس التوصل إلى ما يسميه “اتفاقاً وطنياً” الذي يعدّ مفهوماً نادراً في السياسة اللبنانية.
كما هو متوقع، فإن معظم المدعوين أعلنوا رفض الحضور، فهم يعرفون هذه النقاشات التي لا تثمر عن أي نتائج سوى التوتر والغضب المتبادل. ولا أحد منهم يريد المشاركة في تحمل مسؤولية جماعية عن إخفاقات الحكومة. ومجرد عقد اللقاء “بحضور من سيحضر”، كنص البيان الرئاسي، يدل على نفاد الصبر إزاء الطريق المسدود والأزمة الاقتصادية الشديدة السائدة في لبنان. هذه الأزمة تحولت إلى تهديد أمني بعد أن حدثت مظاهرات في الأسابيع الأخيرة ومواجهات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن في بيروت وطرابلس. مئات المتظاهرين اعتقلوا، وثمة خشية أن تكون هذه الموجة بداية الطريق. لا تملك الحكومة أي حلول سحرية أو ما يكفي من الأموال. ومن أجل تقليص النفقات، قررت إلغاء دعم الكهرباء والوقود، في وقت ارتفعت فيه أسعار السلع الأساسية بأكثر من 55 في المئة من السنة الماضية، ووصلت نسبة البطالة إلى نحو 40 في المئة، وانعدام أية مصادر تمويل جديدة.
إضافة إلى ذلك، فقد حددت البنوك ومحلات الصرافة نطاق سحب الدولارات. ونشرت نقابة الصرافين والبنوك هذا الأسبوع تعليمات مفصلة حددت فيها المبالغ المسموح سحبها بالدولار. مثلاً، حدد بأن سقف الأجر للعامل الأجنبي سيكون 300 دولار في الشهر، والسعر الأعلى لتذكرة طيران للخارج سيكون ألف دولار، ومخصصات التعليم في الخارج 2500 دولار، و1000 دولار إضافي لتغطية أجرة شقة للطالب في الخارج. وأعلن البنك المركزي بأنه سيضخ المزيد من الدولارات للبنوك، والحكومة وعدت بأن ذوي المداخيل المتدنية لن يعانوا من تقليص الدعم. ولكن هذه الإجراءات لا تكفي من أجل تهدئة مخاوف المودعين الذين لا يمكنهم منذ أشهر كثيرة سحب كامل ودائعهم بالدولار.
المخابرات اللبنانية التي جندت لمكافحة هرب الأموال إلى الخارج نشرت هذا الأسبوع أرقام هواتف يمكن للمواطنين الاتصال بها للإبلاغ عن رفع أسعار الدولار في محلات الصرافة.
المخابرات اللبنانية التي جندت لمكافحة هرب الأموال إلى الخارج نشرت هذا الأسبوع أرقام هواتف يمكن للمواطنين الاتصال بها للإبلاغ عن رفع أسعار الدولار في محلات الصرافة. ولكن هناك شك إذا كان سيتم استخدام هذا الخط الساخن. مواطنون لبنانيون مستعدون أن يدفعوا اليوم أي ثمن ليمسك أيديهم الدولارات، التي قفز سعرها إلى نحو 7 آلاف ليرة لبنانية للدولار مقابل 1507 ليرة للدولار، السعر الرسمي الذي حدد في التسعينيات.
وأضيفت إلى ذلك في هذا الشهر العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا تحت “قانون قيصر”، الذي استهدف معاقبة أي شركة وأي دولة وأي شخص يعقد صفقات مع نظام الأسد. لذلك، ستكون هناك تداعيات بعيدة المدى على البنوك في لبنان وعلى نطاق التجارة، التي هي ضئيلة أصلاً، بين سوريا ولبنان. وفي الوقت نفسه تجري الحكومة وحزب الله نضالاً ضد منتقديهم وخصومهم ويوظفون جهوداً كبيرة لقمع حركات الاحتجاج.
في الأسبوع الماضي تم تقديم دعوى قضائية ضد الناشطة الاجتماعية كندا الخطيب بتهمة زيارتها لإسرائيل وإقامتها علاقات مع نشطاء إسرائيليين. ولكن الخطيب التي كانت زيارتها إلى الأردن نفت زيارتها لإسرائيل. ويبدو أن السبب الحقيقي لاعتقالها هو المنشورات اللاذعة التي نشرتها في “تويتر” ضد الحكومة وحزب الله. ومن بين هذه المنشورات، كتبت الخطيب في نيسان بأنه في الوقت الذي تعاد فيه جثث جنود إسرائيليين من سوريا فثم سجناء لبنانيون في السجون السورية لم تجر إعادتهم حتى الآن، وهذا يعد “إهانة لكل من يدعو إلى المقاومة ضد إسرائيل ويدافع عن الأسد”.
هدف آخر للتنكيل، وهو المفتي الكبير علي الأمين، الذي قدمت ضده هذا الأسبوع دعوى بسبب “لقاءات مع حاخام يهودي في إطار مؤتمر الحوار بين الأديان في البحرين”. هذا المؤتمر عقد في كانون الأول، والأمين نفى أنه التقى أو تحدث مع حاخام يهودي. ولكن هذا النفي لم يساعده. المجلس الشيعي الأعلى في لبنان جرده من صلاحياته في نشر فتاوى، وقد يحاكم الآن على إجراء اتصالات مع العدو – وهي مخالفة عقوبتها الموت أو السجن المؤبد.
مثلما هي حالة الخطيب، فإن الأمين من أشد المعارضين لحسن نصر الله وحزب الله. ودعا خلال مواعظه على مدى سنوات ضد تدخل إيران في لبنان. هاتان القضيتان تشعلان الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام والمعارضة في لبنان، وهذه تعتبرهما جبهة لحزب الله ضد خصومه وتهديداً لحركات الاحتجاج التي توجه إصبع الاتهام لحزب الله باعتباره المسؤول عن الوضع الصعب في لبنان.
المعضلة التي يشكلها حزب الله للحكومة
“حزب الله يريد إسكات خصومه والاستعداد لحرب مع الخارج”، هذا كان عنوان مقال منير الربيع في موقع “المدون” المعارض. وحسب أقوال الربيع، فإن “حزب الله يستخدم تهديداته ضد خصومه في الداخل – حتى عندما يتعلق الأمر برجل دين شيعي كبير – من أجل إعداد الدولة للأسوأ الذي سيأتي، على ضوء التقديرات التي تشير إلى النقص المتوقع في السلع الأساسية في الأشهر القريبة القادمة”. وحسب أقوال المحلل: “حزب الله لن يصمت على هذا التطور؛ لأن معناه خنق مستمر. هذا الوضع سيقتضي منه التوجه إلى خيار التصعيد العسكري بموازاة التصعيد الإيراني”.
هذا التوقع القاتم لا توجد له بعدُ دلائل على الأرض، ولكنه يعكس موقفاً سائداً يجد صدى في النداءات التي تسمع في المظاهرات ضد إيران وحزب الله. وبكونه شريكاً في حكومة ذياب، لا يمكن لحزب الله أن يتنصل من المسؤولية حتى عن محاربة وباء كورونا، فوزير الصحة هو من أعضاء الحزب. عدد من المحللين في لبنان يقدرون بأن حزب الله قد يستغل هجمات إسرائيل على سوريا ضد أهداف إيرانية أو مؤيدة لإيران من أجل التهديد بحرب ضد “العدوان الإسرائيلي”، وأن يجند بواسطته الدعم العسكري، أو على الأقل صد جهود خصومه للمطالبة بتجريده من سلاحه.
بهذا يضع حزب الله متخذي القرارات في الدولة أمام معضلة قاسية؛ إما الخضوع لمطالب الولايات المتحدة للحصول على المساعدات المالية التي تشمل المصادقة على قرض بمبلغ 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، أو دعمه لمنع حرب لا يستطيع لبنان السماح بها لنفسه من ناحية عسكرية واقتصادية. هذه في الحقيقة ليست معضلة جديدة، ومعادلة القوة التي أدارها حزب الله امام الحكومة من خلال استخدام التهديد باستخدام إسرائيل لصالحه، ما زالت صالحة منذ عشرات السنين.
ولكن تقف النخبة السياسية والاقتصادية الآن أمام خطر وجودي إزاء الجمهور الذي لا يستطيع، وهو غير مستعد أيضاً، التسليم بغياب أفق اقتصادي. لذلك، تنضم الظروف الدولية التي أوجدها لقاء المصالح بين إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة –التي تسعى إلى إبعاد إيران عن سوريا– وضغط أوروبي على لبنان؛ لإبعاد حزب الله عن الحكومة، على نمط شمله في قائمة التنظيمات الإرهابية كما حدث في ألمانيا.
هذه الظروف الداخلية والخارجية قد تجبر الحكومة والرئيس ميشيل عون على ليّ ذراع حزب الله لإنقاذ لبنان من الإفلاس المطلق. ولا يفسر هذا الأمر بأن هناك قوة عسكرية أو سياسية في هذه اللحظة يمكنها إجبار حزب الله على التخلي عن سلاحه، ولكن إذا نجحت الحكومة والجمهور في التوضيح لحزب الله بأن تهديد استخدام القوة سيواجه برد جماهيري واسع النطاق، وربما حتى حكومي، فربما تستوعب هذه المنظمة قيود القوة.
نقلا عن القدس العربي_بقلم: تسفي برئيل