انتقدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني اليوم الأربعاء، الغموض الذي يعتري الجهات المدعوة للمشاركة في محادثات السلام التي تستعد لها الأمم المتحدة من أجل سوريا والتي من المتوقع عقدها يوم الجمعة المقبل في جنيف، واصفة ما يحدث بأنه يشبه “رقصة دبلوماسية” غريبة في ظل الوضع الإنساني المأساوي للأزمة السورية.
وتشير الصحيفة إلى أن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، قام بتوجيه الدعوات، أمس الثلاثاء، إلى مجموعة متنوعة من السياسيين وقادة الفصائل السورية المتنافسة؛ لإجراء محادثات في جنيف تستهدف إنهاء الحرب التي يشنونها ضد شعبهم منذ خمس سنوات.
وتستنكر “نيويورك تايمز” ما أدلى به ميستورا من أن تفاصيل قائمة الجهات المدعوة “حساسة” ولا يمكن الكشف عنها، وقد أعرب أيضاً أنه يتوقع ردوداً رسمية، ويأمل في أن يصل المدعون في الوقت المناسب لبدء المحادثات صباح يوم الجمعة المقبل.
رقصة دبلوماسية
وتعترف الصحيفة أن أي محادثات للسلام تعتريها، بشكل دائم، حساسية في كيفية إجراء المفاوضات، كما تشهد الكثير من الصراعات، ولكنها تصف محادثات سلام سوريا المقبلة بأنها “رقصة دبلوماسية” غريبة؛ ذلك أن الأمر لا يقتصر على غموض الجهات التي سوف تشارك في تلك المحادثات فحسب، وإنما من غير المعروف أيضاً ما إذا كانت تلك الأطراف المشاركة في الاجتماع لديها الاستعداد اللازم لتقديم التنازلات والتخفيف من معاناة المدنيين السوريين، ولو بدرجة ضيئلة.
وترى نيويورك تايمز أن الأمر يزداد تعقيداً في ظل خطة ميستورا بإبقاء كل فصيل في غرفة منفصلة، بحيث يقوم هو بالتنقل والتنسيق بينهم.
فرصة كبرى
وتقول الصحيفة: “لقد ساهمت أيضاً السرية المفروضة على تفاصيل هذه المحادثات في توفير فرصة كبرى للدعاية من قبل مختلف فصائل المعارضة السورية، إذ أسرعت بعضها بالإدعاء بأنها قد تلقت دعوة للحضور، كما أدعى آخرون أن منافسيهم قد تلقوا دعوات”.
وتنتقد نيويورك تايمز عدم تحديد الجهات التي سوف تشارك في المحادثات حتى الأن، ولا حتى الأطراف التي لن تشارك، ناهيك عن الافتقار إلى توضيح مدى موافقة الأطراف المشاركة في المحادثات على الأهداف المتواضعة التي وضعتها الأمم المتحدة للمحادثات، وهي رفع الحصار – من قبل القوات الحكومية بشكل أساسي – من أجل السماح بدخول الأغذية والأدوية إلى المناطق التي هي في أشد الحاجة إليها.
وتضيف الصحيفة: “على مدى أسابيع، تعمد أطراف بالوكالة للتصدى إلى تحديد من سيقوم بتمثيل المعارضة السورية ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، وقد وافقت السعودية على ائتلاف واحد يتكون من مجموعة متنوعة من المعارضين السياسيين والمتمردين المسلحين، وهو المعروف باسم (اللجنة العليا للمفاوضات السورية)”.
الحساء الروسي
ولكن، بحسب ما أوردته الصحيفة، فإن مثل هذا الأمر لا يتماشى مع روسيا التي تدعم قوات بشار الأسد، حيث مارست ضغوطها من أجل حضور ممثلين آخرين في المحادثات، من بينهم بعض الأطراف التي تعتبرها اللجنة العليا للمفاوضات السورية “قريبة الصلة” بحكومة بشار الأسد، فضلاً عن الجماعات الكردية التي تصنفها تركيا بأنها “إرهابية”.
وتنوه الصحيفة إلى تهديد تركيا بسحب دعمها إذا شارك الأكراد في المحادثات، كما أفاد المعارض السوري هيثم مناع أنه قد تلقى بالفعل دعوة لحضور المحادثات بيد أنه لن يشارك في المحادثات بصفته جزء من الوفد الروسي، وقال: “إن قائمة الأسماء تشبه الحساء الروسي وهذا أمر غير مقبول”.
وتوضح الصحيفة أن اللجنة العليا للمفاوضات السورية أصدرت بيانا قالت فيه أنها تلقت دعوة للمشاركة في المحادثات، بيد أنها لن تؤكد حضورها قبل رفع الحصار من قبل قوات الحكومة السورية ووقف القصف الجوي، لتخفيف الوضع الإنساني قبل بدء المفاوضات.
جدوى المحادثات
وتضيف الصحيفة: “على الرغم مما سبق، فإن عدم اليقين لم يقف عائقاً أمام قطار محادثات السلام التي يتم التحضير لها على قدم وساق في أروقة قصر الأمم المتحدة، إذ بدأت زمرة من كاميرات تليفزيونات الأخبار في اتخاذ أماكنها لهذا اليوم المرتقب، وقد وصل فريق وكالة الأنباء السورية (سانا) التي تديرها الحكومة، الأمر الذي يعكس أن الوفد الحكومي السوري في طريقه إلى المشاركة، برئاسة بشار الجعفري مندوب سوريا في الأمم المتحدة”.
وتخلص الصحيفة إلى أنه بالنظر إلى ما يجري في سوريا، فمن الصعب تصديق أن أي شخص لديه بالفعل استعداد حقيقي لمباحثات السلام أو حتى الموافقة على وقف إطلاق النار على المدى القصير، لاسيما في ظل الانفجارات الأخيرة في مدينة حمص، وعدم سماح الحكومة السورية لمنظمة الصحة العالمية بعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية في بلدة تسيطر عليها المعارضة.
وتختتم الصحيفة بتأييد دعوات كبار المسؤولين في هيئات الأمم المتحدة الإنسانية بضرورة التزام الأطراف المتحاربة وداعميهم في الخارج باتباع قوانين الحرب، وهو ما يعني وقف الاعتداءات على المدارس والمستشفيات والعاملين في المجال الطبي والسماح بإدخال المعونات الغذائية للمتضررين.
وتتساءل ساخرة: “إذا لم تتمكن الأطراف المتحاربة من الاتفاق على مثل هذه الأمور الأساسية، فما الشيء الجديد الذي سوف يتفقون عليه؟ وتُرى ما الجدوى إذا استمرت المحادثات واستمرت معها في الوقت نفسه عمليات القتل؟”.