كاد وقف الأعمال العدائية أن يكرس توازناً قام سنوات بين كل اللاعبين على المسرح السوري. يمثل إقراراً إضافياً ونهائياً من كل الأطراف المحليين والاقليميين والدوليين بأن لا حسم عسكرياً للحرب في سوريا ولو في ظل الحرب على الإرهاب.
أظهر التصعيد العسكري الأخير في حلب ومحيطها أن الوضع يمكن أن يخرج عن السيطرة. سبقه فشل الجولة الأخيرة من المحادثات السياسية “التقاربية” التي يقودها المبعوث الخاص الى سوريا ستافان دو ميستورا. يخدم هو وفريقه هدف تثبيت وقف الأعمال العدائية. بيد أن القبول باستمرار الإنتهاكات والخروقات والمناوشات والإشتباكات المحدودة يعني عملياً الوصول الى “نزاع منخفض التصعيد”. هذه هي التوطئة الحقيقية للشروع في حل سياسي يحفظ التوازنات الموجودة ويقوم على أساسها. أسوأ ما في هذا المذهب بالنسبة الى المحللين من السوريين وغيرهم أنه يفرض عليهم القبول – ولو على مضض – بما تعارف اللبنانيون على تسميته في حربهم الأهلية “خطوط التماس”.
يعتقد ديبلوماسيون غربيون أن التصعيد الأخير يمثل انتهاكاً خطراً لتوافق حصل في مجموعة الدعم الدولية لسوريا برئاسة الولايات المتحدة وروسيا. انعكس هذا التوافق في مطالبة القرار 2254 جميع الأطراف بأن يوقفوا فوراً أي هجمات على المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات على المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف المدفعي والاغارة الجوية”. يطالب كذلك بأن تتقيد الأطراف “فوراً” بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وصف الأمين العام للأمم المتحدة والمسؤولون الدوليون الإعتداءات على العاملين في المجالات الإنسانية والصحية والطبية بأنها جرائم حرب تتكرر في سوريا. اعتبر الهجوم على المستشفى الأخير في حلب مؤشراً ذا مغزى بعدما نشرت وسائل الإعلام القريبة من السلطات السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد تقارير عن استعدادات لاستعادة هذا الجزء الرئيسي مما تسميه “سوريا المفيدة”. لا تعير السلطات السورية كل ما يقع أو من يقيم خارج نطاق سيطرتها أي اعتبار. الأجزاء الأخرى لا هوية ثابتة لمن يتحكم بمصيرها. يتنازعها شتات من المعارضين والجماعات الإرهابية. الحرب على الإرهاب شعار فضفاض في غياب الإتفاق على تحديد الجماعات الإرهابية.
في ظل هذه الفوضى، لا يزال المجتمع الدولي عاجزاً عن توفير أبسط الحماية للمجتمع السوري. مطلوب منه أن يتطلع وفقاً لما تنص عليه قرارات مجلس الأمن الى عملية سياسية تؤدي في ستة أشهر الى حكم ذي صدقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وصوغ دستور جديد تجرى على أساسه انتخابات حرة ونزيهة في غضون 18 شهراً في إشراف الأمم المتحدة، وفقاً الأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة.
التوصل الى “نزاع منخفض التصعيد” باب الحل في سوريا.
النهار