يقع جبل التركمان على الحدود التركية السورية، وبالتحديد الحدود الفاصلة ما بين مدينتي اللاذقية السورية وهاطاي التركية، ويُشكل الجبل أهمية استراتيجية لكلا الطرفين “النظام السوري، تركيا”.
منذ انطلاق الثورة السورية وجبل التركمان أو جبل “باير بوجاك” يخضع لسيطرة كتائب تركمان سورية، ولم يتمكن النظام من الوصول إليه وإخضاعه لسيطرته، ولكن عقب تدخل روسيا في الأزمة السورية وعقب احتدام الأزمة التركية الروسية الناجمة عن إسقاط تركيا للطائرة الروسية المُخترقة لأجوائها، بتاريخ 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، زادت روسيا من حدة استهدافها لجبل التركمان للسيطرة عليه وحيازة الميزة الاستراتيجية التي يتمتع بها، لصالحها، ولكن إلى الآن ما زالت كتائب تركمان سوريا بكافة ألويته تستبسل في الدفاع عنه ومنع سقوطه في الأيدي الروسية وأيدي نظام الأسد.
وتعتبر تركيا جبل التركمان ذا أهمية استراتيجية عالية بالنسبة لها، لوقوعه على حدودها مع سوريا بشكل مباشر، وسيطرة النظام عليه تعني زعزعة الأمن التركي وفقدان الحدود التركية السورية من تلك الجهة للسيطرة الحقيقية، أما بالنسبة لروسيا ونظام الأسد، فيشكل الجبل أهمية استراتيجية كبيرة لمحاذاته الحدود التركية وقربه من البحر الأبيض المتوسط، حيث من خلال السيطرة عليه يُسهل ردع تركيا وتسهل السيطرة المُحكمة على سواحل اللاذقية المُطلة على البحر الأبيض المتوسط.
وفي ذات السياق، يوضح الكاتب السياسي “أحمد ترك”، في مقاله “ماذا لو سقط جبل التركمان؟”، الذي نُشر في صحيفة “وحدة”، بتاريخ 28 كانون الثاني/ يناير 2016، أن جبل التركمان منذ فجر التاريخ وهو ذو أهمية استراتيجية لجميع الأطراف المسيطرة على المنطقة، وأهم النماذج المثالية التي أظهرت أهمية هذه المنطقة، استعانة “سليم الأول” بسكان الجبل “التركمان” للعبور إلى بلاد الشام وفتحها.
ويؤكد ترك أن تركيا حاذت على حق الضمان وحماية التركمان في منطقة اللاذقية، بناءً على المادة السابعة لاتفاقية أنقرة الموقعة بينها وبين فرنسا بتاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1921، وعدم فسخ الاتفاقية بين الطرفين بشكل رسمي، يؤكد على حق تركيا في التدخل من أجل حماية التركمان في المنطقة، لا سيما في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المناطق ذات الكثافة التركمانية في سورية.
ويضيف ترك أن تركيا، صاحبة الحق في حماية التركمان، تقف اليوم عاجزة أمام ما يحدث في جبل التركمان، مشيرًا إلى أن تركيا لا تستطيع الآن تقديم مساعدة عسكرية جادة للتركمان، لتحذير روسيا لها من اختراق الأجواء السورية، عقب الأزمة التي ظهرت للسطح بين الطرفين، ولكن على تركيا بذل كل ما بوسعها لإمداد كتائب التركمان بما تحتاجه من مهمات عسكرية ولوجستية.
وفي ذات الإطار، يرى الباحث السياسي “إيمره كاكيلي” أن هناك العديد من النتائج الوخيمة التي ستحدث في حين تم إسقاط جبل التركمان من قبل روسيا والنظام السوري، أهم هذه النتائج هي:
ـ اقتراب روسيا والنظام السوري من تركيا، وبالتالي ازدياد احتمال اختراق الحدود وزعزعة الأمن والاستقرار التركي.
ـ السماح لحزبي العمال الكردستاني “بي كي كي” والاتحاد الديمقراطي “بي يي دي” بالانتقال إلى الجبل، وممارسة نشاطاتهم الإرهابية فيه، الأمر الذي سيجعل تركيا عُرضة لعدد من الهجمات الإرهابية، إذ يتاخم الجبل الحدود التركية بشكل مباشر، ونظرًا لوعورة المنطقة فإن تحكم الجيش التركي به من غير مساندة الطرف المقابل له يُعد صعبًا بعض الشيء، وهذا ما سيشكل أرض خصبة للعناصر الإرهابية للتخييم وممارسة الأعمال الإرهابية ضد تركيا.
ـ حصول العناصر “الإرهابية” على قواعد انطلاق وتدريب في جبل التركمان، سيمكنهم من الحصول على إطلالة مباشرة على البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما يعني حصولهم على المهمات العسكرية بشكل أسهل وأكبر، كما يعني سهولة اختراقهم لتركيا عبر البحر الأبيض المتوسط الذي يشكل إطلالة لعدد كبير من المدن التركية.
ـ تهجير التركمان من مناطق إقامتهم، وجلب مواطنين أكراد للإقامة مكانهم، الأمر الذي سيشكل خطر استراتيجي على تركيا، من خلال تحفيز حزب العمال الكردستاني على تكثيف عملياته الإرهابية للوصول إلى ما يرنوا إليه من إقامة دولة كردية مُوحدة في المنطقة.
بلا شك، أن تركيا التي تدعم الثورة السورية وتمدها بالدعم العسكري واللوجستي، ستتأثر سلبًا بشكل أو بأخر في حين تم إسقاط جبل التركمان من قبل القوات الروسية والنظام السوري.
ولا شك أيضًا، أن القيادة التركية تعي جيدًا مدى الخطورة التي يمكن أن تحيط بها في حين سقط جبل التركمان، وفي هذا الإطار لا يبقى خيار للقيادة التركية إلا دفع المزيد من الدعم العسكري واللوجستي للمقاتلين في الجبل لشد إزرهم ومساعدتهم في مقاومة الهجمات الشديدة التي يتعرضون لها.
ترك برس