لن تنتهي حالة الاضطراب في الشرق الأوسط قريبًا، فالانقسامات تعصف بكل مكان في المنطقة؛ فمولد النظام الإقليمي الجديد الذي لم يحدد شكله بعد له إيجابياته ولكنه لا يخلو أيضًا من المخاطر، وفي حين لا يمتلك أحد القدرة على الرؤية في ظل العاصفة الحالية أو التنبؤ بنتائجها، فإن احتمالية التأثير في اتجاهها العام أمر مطروح للنقاش بين شعوب المنطقة وحكوماتها والنظام العالمي ككل.
فيما عدا الضغط للحد من العنف ومنع التدخل الأجنبي ومواجهة تسرب الصراعات الداخلية خارج المنطقة، يجب أن أن يترك المجتمع الدولي عملية التغيير الداخلي في الشرق الأوسط تتخذ مجراها الطبيعي على يد القوى الداخلية الفاعلة؛ إنها أوقات عصيبة، لكن العالم يجب أن يتحلى بالصبر ما لم يكن هناك تهديد إرهابي عالمي.
لكن منع التدخل الأجنبي خلال عملية الميلاد الصعبة هذه يمثل تحديًا بالفعل، وقد فصلنا في قضايا سابقة متطلبات البنية الثأرية للولايات المتحدة وحلف الناتو لمنع أي محاولة لإساءة استغلال مواطن الضعف في منطقة قيد التغيير، وهذه بعض الخطوات التي قد يتم تضمينها في الأجندة المستقبلية لحلف الناتو في الشرق الأوسط:
يجب تعزيز قوات الرد السريع التابعة لحلف الناتو بقوات ذات جاهزية قتالية وقيادة فرعية مخصصة فقط لمنطقة الشرق الأوسط، ويجب توسيع دورها في تدريب ووضع هياكل لوجيستية ميدانية في الشرق الأوسط بشكل كبير.
ويجب بحث مجموعة من الاتفاقيات مع دول المنطقة لبناء منشآت ميدانية قادرة على استضافة قوات الرد السريع التابعة لحلف الناتو المقترحة أعلاه.
ويجب إجراء تدريب عملي لكل من قوات الرد السريع التابعة لحلف الناتو بالشرق الأوسط والقوات المسلحة المحلية؛ لاتخاذ خطوات عملية مشتركة للاستجابة السريعة في حالات الطوارئ.
توسيع مبادرة إسطنبول التعاونية وتحديث هذه المنصة الخاصة بالتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو.
تنشيط منصة الحوار المتوسطي وتزويدها بآليات لتبادل المعلومات المتعلقة بالإرهاب.
تشجيع إنشاء قوة عربية مشتركة، حيث يمكنها أن تعمل كمنصة استقبال لقوات حلف الناتو عندما يستدعي الأمر تدخلها.
وتشير الأزمة الحالية للاجئين والتهديدات الإرهابية إلى الحاجة لتعاون أفضل، فلقد حان الوقت لوضع حد للجدالات الأوروبية اللامتناهية وللتردد عميق الجذور في كل خطوة؛ فالأحداث في الشرق الأوسط ذات إيقاع سريع جدًا وتتطلب جاهزية استباقية للتغيرات والتطورات غير المتوقعة، وقد حان الوقت أيضًا لتخصيص موارد إضافية لقوات الدفاع الوطنية في كل دول الاتحاد الأوروبي، فقد أثبتت الأحداث الأخيرة بما لا يدع مجالا للشك أن الأزمة الأمنية في الشرق الأوسط ما إن تبدأ في تجاوز المنطقة حتى تصيب أوروبا قبل أي ماكن آخر.
لكن هناك بعض المشكلات التي يجب التعامل معها أولاً قبل اتخاذ خطوات لتدخل حلف الناتو في الشرق الأوسط.
وداخل حلف الناتو نفسه، يدور جدل حول “هوية” التحالف، فقد أثار خطاب مفتوح إلى الرئيس أوباما موقع من قبل مسؤولين أمريكيين سابقين مخاوف حول هوية ووظفية حلف الناتو، وبالرغم من أن الخطاب المفتوح كان يركز على دعم عضوية جمهورية الجبل الأسود، إلا أنه وضع هذا الدعم في سياق الحفاظ على استقرار تلك الدولة والمنطقة المحيطة بها.
ويبدو أن هذا قد أثار انتقادات من جانب من يريدون أن يعمل الحلف فقط داخل حدوده التقليدية – أي الدفاع المشترك عن الديموقراطيات الغربية، ويعارض أولئك المنتقدون توسيع مهام التحالف إلى “الصمود في وجه التهديد الروسي”.
يجب ألا يتم تجاهل هذه الانتقادات، فهناك ميزة في الدفاع عن طبيعة وبنية التحالف، لكن مهمة مواجهة أي تهديد سواء كان تهديدًا روسيا أو من أي طرف آخر، مرتبطة باتفاق الدفاع عن الديموقراطيات الغربية.
وبعبارة أخرى، نحن نرى أن هناك مشكلتين أساسيتين مطروحتين على طاولة حلف الناتو في هذه المرحلة:
لقد كان الحلف يناضل من أجل إعادة بناء نفسه منذ نهاية الحرب الباردة، وفي سياق التغيرات السريعة في المشهد العالمي، فإن طبيعة التهديدات التي يواجهها قد تحولت إلى مناطق استراتيجية مختلفة تمامًا.
يواجه الناتو سؤالاً أساسيًا: وهو كيف يمكن أن يواجه بشكل ملائم تلك التهديدات المتطورة، في نفس الوقت الذي يحافظ فيه على هويته التأسيسية؟
وتتم مواجهة هذا التحدي من خلال تطوير منظور لا يرى في حلف الناتو قلعة محصنة منعزلة داخل جدرانها، ويعيد هذا المنظور تعريف حلف الناتو بأنه “نواة” صلبة تحيط بها شبكة إبداعية من التحالفات الأمنية يلعب فيها الناتو دورًا تنظيميًا وقياديًا، ولا تصنف هذه التحالفات ضمن فئة عضوية حلف الناتو، لكنها تختلف من حيث علاقتها بالمركز، وهو الناتو نفسه، وهذا يتناسب مع الهوية التأسيسية للناتو، يجب ألا ينظر للدفاع عن الديموقراطيات الغربية بمعزل عن الأمور الأخرى، أو من خلال التعاريف القانونية الرسمية، فهذه المهمة بالذات ليست دائمًا محددة الشكل، فهي تتشكل بشكل عرضي وفق طبيعة التهديدات التي تواجه هذه الديموقراطيات في أي وقت.
إن مبدأ اعتبار الناتو “مركزًا أمنيًا” هو الطريق الصحيح لمستقبل الحلف، فهو مرن بشكل كاف ليسمح للناتو بهامش أكبر من الحركة دون تمييع هويته أو مهمته التأسيسية؛ إنه ليس التفافًا “رسميًا” على التحديات الجديدة، بل إن له علاقة وطيدة بجوهر مهمته في عالم ما بعد الحرب الباردة.
إن التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعطي زخمًا لأولئك المنتقدين لإعادة تشكيل مهمة حلف الناتو، لكن الإدراك السليم فقط هو ما سيتمكن من التغلب على الصعاب المحتملة، وإذا كانت هناك مصلحة مشتركة بين الولايات المتحدة والأمم الأوروبية في حفظ استقرار الشرق الأوسط – وهناك بالفعل مصلحة مشتركة للطرفين في مواجهة هذا التحدي – فمن الممكن وضع آلية مناسبة لتعزيز هذا الاستقرار.
ولتفادي تكرار أزمة عام ٢٠٠٣، يجب على الناتو صياغة مهمته في الشرق الأوسط بمفردات أوضح يمكن أن يقبل بها كل الأعضاء، فصيغة إنشاء اتفاق أمني إقليمي بمساعدة وتنظيم الناتو، كجزء من شبكة التحالفات الأمنية، يمكن أن تساعد في تجنب أي احتكاك داخلي داخل الحلف.
ويجب أن تبحث مبادرة إسطنبول للتعاون، والتي تم إطلاقها في عام ٢٠٠٤ وتضم دول مجلس التعاون الخليجي، بشكل جاد الاقتراح السعودي بإنشاء قوة لإقليمية للانتشار السريع، أو القوة العربية المشتركة المذكورة أعلاه؛ فالطريقة التي يمكن من خلالها دفع مبادرة إسطنبول خطوة للأمام هي من خلال المقترح السعودي، ومن المفهوم أن الخلافات السياسية بين المشاركين ربما تظهر هنا وهناك، لكن هذه الخلافات ليست غير قابلة للحل؛ فإنشاء قوة عربية مشتركة يجب أن يبدأ بدون أي توهمات من جانب أي من أعضائها حتى تبدأ بشكل مثالي، وسوف تتطور مع الوقت لتصل إلى التصحيح الذاتي والتكيف الذاتي، ولكن هذا سوف يحدث في ظل العمل الجاد من قبل أعضائها.
وحتى دمج الحوار المتسطي مع مبادرة إسطنبول ربما لا يكون أمرًا ضروريًا في البداية، فسوف ينشأ هذا الدمج بشكل طبيعي من خلال تطور الهيكل الأمني في المنطقة، نحن نؤمن أن القوة العربية المشتركة هي الأسلوب الأمثل لتوضع إطار للمساعدة الأمنية لحلف الناتو في الشرق الأوسط، ويجب إعادة إحياء الفكرة ومناقشتها مجددًا مع القوى الإقليمية.
ميدل إيست بريفنج – التقرير