لندن- “القدس العربي”: تساءل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوين ماري في لندن، كريستوفر فيليبس، عن أثر “قانون قيصر” على النظام السوري وإن كان فعلا سيقود إلى انهيار نظام بشار الأسد. وفي مقال نشره “موقع ميدل إيست آي” قال إن الأسد هزم بشكل كبير المعارضة المسلحة لنظامه ولكن اقتصاده ينهار. فالأزمة المالية والسياسية في لبنان إلى جانب الحرب الأهلية التي مضى عليها 9 أعوام وعقوبات غربية وفساد حكومي مستشر، أدت كلها لنقص في المواد الأساسية ونسبة عالية من البطالة وانهيار شبه كامل لليرة السورية.
اليوم يواجه نظام الأسد وشعب سوريا الذي تبلغ نسبة الفقراء منه 80% تحديا جديدا وهو “قانون قيصر”.
واليوم يواجه نظام الأسد وشعب سوريا الذي تبلغ نسبة الفقراء منه 80% تحديا جديدا وهو “قانون قيصر”. ويعلق أن نظام الأسد يتعرض لعقوبات قبل الثورة عام 2011 إلا أن النهج الجديد الذي تتبعه واشنطن أوسع. فبدلا من استهداف أفراد في النظام يعاقب قانون قيصر أي شركة أو فرد أو دولة تتعامل مع نظام فرضت عليه العقوبات. ومن المتوقع أن يمنع هذا القانون الشركات الأجنبية من الاستثمار وحرمان الحكومة من الرأسمال الذي تحتاجه بشكل يزيد من التدهور الاقتصادي. وتأمل الولايات المتحدة أن يؤدي هذا إلى إجبار النظام على تقديم تنازلات سياسية أو تعديل سلوكه السياسي أو حتى التحريض على انقلاب داخلي ضده. وسارع عدد من المعلقين إلى القول إن قيصر قد يكون اللحظة التي ستنهي حكم الأسد الدموي. إلا أن فيليبس يعتقد أن هذه النتيجة ليست محتملة وذلك بناء على تجربة العقوبات في سوريا وغيرها. فرغم الدعم الذي تلقاه العقوبات من صناع السياسة في الدول الغربية بحيث تعطيهم ورقة نفوذ للضغط بدون تدخل عسكري إلا أنها من النادر ما حققت الأهداف المنشودة منها. بل على العكس كشفت الأبحاث العلمية أن العقوبات تدفع الأنظمة الديكتاتورية للتمترس بدلا من الانهيار أو تغيير سلوكها. والمثال الكلاسيكي هو صدام حسين في الفترة ما بين 1991- 2003. وكان الهدف الرئيسي وراء العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة هو التعجيل بالإطاحة به على يد نخب من داخل نظامه، ولكن العقوبات أدت إلى إفقار الشعب العراقي وزيادة معاناته. بل وأدت لتقوية نظام صدام وزيادة تبعية الشعب العراقي واعتماده على الحكومة للحصول على الطعام في وقت حملت الدول الخارجية مسؤولية الفقر الذين يعيشونه.
لم تدفع هذه العقوبات نظام الأسد لكي يعدل من سلوكياته، من خلال وقف حملات القمع ضد المعارضة أو تقديم تنازلات سياسية.
ورغم عدم تعرض النظام السوري لعقوبات شديدة كتلك التي فرضت على عراق صدام حسين إلا أن أشكالا من العقاب ظهرت منذ 2011، وتعرض عدد من الأفراد والمؤسسات للعقوبات الأمريكية والأوروبية. ولم تؤد هذه إلى انقلاب عسكري ضد نظام الأسد. كما لم تدفع هذه العقوبات النظام لكي يعدل من سلوكياته، من خلال وقف حملات القمع ضد المعارضة أو تقديم تنازلات سياسية. وبمساعدة من حلفائه الروس والإيرانيين الذي عانوا من عقوبات أنفسهم، وجدت دمشق طرقا للتقليل من خسائرها. وكما حدث في العراق أصبحت النخبة المقربة من النظام غنية وقوية فيما حول عبء العقوبات إلى السكان.
ومن هنا فلماذا يعتقد صناع السياسة وحلفاؤهم أن قانون قيصر سينجح في سوريا حيث فشلت عقوبات شاملة في العراق وغيره؟ وربما كان الجواب نابعا في حجم العقوبات التي لم يجربها الأسد من قبل، وبالتأكيد ليس صدام. وقد يؤدي القانون لزيادة شلل النظام وظهور اضطرابات من قواعد لم تتأثر بالأزمة سابقا. فقد شهدت منطقة السويداء التي تعيش فيها غالبية درزية احتجاجات على الظروف الاقتصادية، فيما نشرت تقارير صحافية عن تذمر في المناطق الساحلية الموالية للأسد. وحتى لو استمرت الاحتجاجات وتوسعت فقد كشفت تجربة السنوات التسع الماضية أن الاحتجاج وحده لا يكفي للتخلص من هذا النظام. فالأسد وحلفاؤه مستعدون لسحق المعارضة في حالة هددت حكمهم. ومن بين هؤلاء حزب الله الذي أكد أنه لن “يتخلى عن سوريا وهي تواجه الحرب الاقتصادية”. ومن غير المحتمل حدوث انقلاب، ذلك أن معظم النخب الاقتصادية مرتبطة بالنظام. وأفرادها إما مشمولون في العقوبات أو سيخسرون موقعهم المتميز لو انهار النظام. ومثل صدام حسين فقد أقام الأسد نظاما محصنا من الانقلابات بشكل يجعل من الصعوبة تنفيذ واحد حتى لو أرادت النخبة هذا.
وبعيدا عن تغيير النظام يأمل صناع السياسة الذين مرروا قانون قيصر بدفع نظام الأسد إلى تغيير سلوكه والقبول بتسوية سياسية. وفي الماضي كان التهديد باستخدام القوة رادعا للنظام، مثل تخليه عن أسلحته الكيماوية بعد تهديد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بتوجيه ضربة عسكرية. لكنه قبل في عام 2013 وساطة روسية لتدمير ترسانته الكيماوية. ويقدم قانون قيصر نفس الطريق للأسد وبـ 7 شروط يحتاج لتطبيقها. وبعضها يشمل إجراءات تعتبر شعارات للنظام مثل بناء آلية محاسبة ذات معنى. ومطالب القانون هي أكبر من تلك التي رافقت تخليه عن ترسانته النووية، لكن النظام لم يلتزم في حينه. فسلوك الأسد في الماضي لم يظهر استعدادا منه للتخلي عن سلطات مهمة مقابل تخفيف الضغوط الخارجية، خاصة أن حليفته الروسية تحاول لمزه لتقديم ولو بعض التنازلات الصغيرة، ولكن بدون جدوى. ويعرف صناع السياسة أن العقوبات لها سجل فقير من ناحية الثمار إلا أنها تظل السلاح المفضل لدى الدول الغربية، فهي رسالة للأنظمة القمعية أن هناك تداعيات لوحشيتهم وثمن تدفعه. وفي الوقت نفسه رسالة إلى الرأي العام المحلي والأجنبي أنها “تقوم بعمل شيء” بدون اللجوء إلى المغامرات العسكرية. ومن هنا فقانون قيصر ليس مختلفا وجاء بعدما ضغط السوريون- الأمريكيون على الكونغرس وليس كجزء من إستراتيجية عميقة للحكومة الأمريكية ضد الأسد. وكغيرها من العقوبات السابقة فلن تضر إلا بالشعب السوري فيما سيجد الأسد ومن حوله طرقا للتحايل عليه، وتحويل المعاناة إلى الشعب، وتقوية وتحصين النظام. وربما كان الحال اليوم مختلفا، حيث سيؤدي قانون قيصر إلى تغيرات إيجابية ملموسة، إلا أن تجارب الماضي تقترح العكس.
نقلا عن القدس العربي