فرض استهداف قوات تركية تساند المعارضة السورية في شمال سورية بالحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، نفسه على المشهد السوري، بعد اتهام تركيا للنظام السوري بالوقوف وراء الاستهداف، وإعلانها أنها سترد على هذا الهجوم الذي أسفر عن مقتل 3 جنود أتراك وجرح آخرين، ما يفتح الباب أمام إمكانية حدوث صدام مسلّح أكبر بين تركيا ونظام بشار الأسد.
يأتي ذلك في الوقت الذي بدأت تتقلص فيه فرص إحياء العملية السياسية في مدى منظور، مع توارد أنباء عن نيّة المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، التخلي عن مهمته قبل انتهائها، بعد فشل جهوده في تحقيق تسوية تُجنّب الأحياء المحاصرة شرقي حلب “مذبحة” يُعد لها النظام وحلفاؤه، مقابل إعلان الأمم المتحدة قبول المعارضة لخطتها إدخال مساعدات إلى المنطقة.
وأعلنت رئاسة الأركان التركية في بيان، مقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة عشرة آخرين، في غارة جوية “نقدّر أنها من قوات النظام السوري”، فجر أمس الخميس، في محيط مدينة الباب، شمالي سورية. وبحسب البيان، فإنّ الغارة وقعت في تمام الساعة 03:30 فجر الخميس، واستهدفت القوات المشاركة في عملية “درع الفرات”. واللافت أن الاستهداف جاء غداة زيارة قام بها رئيس هيئة الأركان التركية، خلوصي أكار، الأربعاء، إلى ضريح “سليمان شاه”، جد مؤسس الدولة العثمانية، في قرية أشمة، داخل الأراضي السورية، في إطار زيارته لولاية كليس، جنوبي تركيا. ورافق أكار في الزيارة قائد القوات البرية، الفريق زكي جولاق، حيث تفقدا فيها وحدات من الحرس الحدودي، والوحدات التركية العاملة ضمن عملية “درع الفرات”. كما جاء الاستهداف بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لإسقاط مقاتلات تركية طائرة حربية روسية في ريف اللاذقية الشمالي، ما دفع العلاقات التركية الروسية إلى حافة توتر كاد أن يفضي إلى مواجهة عسكرية، قبل اتفاق البلدين على التطبيع الكامل للعلاقات نهاية يونيو/ حزيران الماضي.
وتُعدّ غارة أمس أول استهداف من قبل طيران النظام للقوات التركية داخل الأراضي السورية، ما يفتح الباب أمام حدوث صدام أكبر، خصوصاً مع إعلان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أن بلاده سترد على الهجوم. وقال للصحافيين في أنقرة: “من الواضح أن بعض الناس غير راضين عن هذه المعركة التي تخوضها تركيا ضد داعش. بالتأكيد سيكون هناك انتقام من هذا الهجوم”.
وحمل الاستهداف رسائل واضحة لأنقرة في حال مضيها أكثر في دعم قوات المعارضة السورية، خصوصاً إذا حاولت الأخيرة توسيع نطاق نفوذها ليصل إلى تخوم مدينة حلب، كي تصبح على تماس مع قوات النظام المتمركزة في مطار كويرس العسكري الذي يعد أكبر مطار للنظام في سورية، أو الاقتراب أكثر من منطقتي نبّل والزهراء في شمال حلب، اللتين باتتا أهم قاعدتين للمليشيات في شمال سورية.
واعتبر المحلل السياسي التركي أوكتاي يلمز، استهداف القوات التركية في شمال سورية، “تطوراً خطيراً ربما يدفع إلى مواجهة شاملة في المنطقة”، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن الرد التركي “سيكون قاسياً” في حال التأكد من أن نظام الأسد يقف خلفه، مرجحاً أن تعمل قوى إقليمية ودولية، منها روسيا، على احتواء الموقف. ولفت يلمز إلى أن عملية “درع الفرات” لا تستهدف النظام السوري، وأن جهدها العسكري منصب على محاربة ما وصفها بـ”التنظيمات الإرهابية” في شمال سورية، مشيراً إلى أن عملية “درع الفرات” لن تتأثر بالحادث وهي ماضية في تحقيق أهدافها.
وإذا ما صحت الأنباء عن طلب دي ميستورا إعفاءه من مهمته، فهو بذلك يلحق بسلفيه كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، اللذين فشلا في إحداث اختراق من شأنه رأب صدع يتسع بين نظام يتمسك بالحل العسكري وبقاء الأسد في السلطة، مستنداً إلى دعم لا محدود من روسيا وإيران، وبين معارضة ترفض بقاء الأخير وتطالب بمحاكمته أمام محاكم دولية. وجاءت الأنباء عن إحباط الموفد الأممي الذي ربما يدفعه إلى الاستقالة، بعد يومين من انتقاد روسي لاذع له، إذ اتهمه وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، الثلاثاء، بـ”تقويض” قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يطلب تنظيم محادثات سلام شاملة بين الأطراف السورية من دون شروط مسبقة”.
ميدانياً، لا تزال معارك كر وفر تدور في محيط مدينة الباب بين قوات المعارضة المدعومة من الجيش التركي، ومقاتلي تنظيم “داعش” الذين “يُبدون شراسة” في الدفاع عن آخر معاقلهم في شمال شرق مدينة حلب، وفق قائد ميداني في الجيش السوري الحر. كما تخوض قوات المعارضة بالتزامن، معارك مع قوات “سورية الديمقراطية” التي يشكّل مقاتلون أكراد عمادها الرئيسي في محيط مدينة الباب، إذ تحاول الأخيرة هي الأخرى الوصول إلى المدينة من جهة الشرق. وكانت غرفة عمليات “حور كلس” المشاركة بعملية “درع الفرات” ذكرت أنّ كتائب تابعة للجيش الحر سيطرت، الأربعاء، على قريتي برشايا، وجب الدم، شمالي مدينة الباب، بعد اشتباكات مع “سورية الديمقراطية”، وعلى قرى جب البرازي، ودويرة، وبرات، بعد اشتباكات مع تنظيم “داعش”.
في موازاة ذلك، لا تزال قوات النظام والمليشيات الموالية لها، تحاول الضغط على أحياء حلب الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة، من خلال ارتكاب المجازر بحق مدنيين، من أجل تمهيد الطريق لعمليات عسكرية واسعة النطاق تستهدف انتزاع السيطرة على هذه الأحياء. وذكر ناشطون أن عدداً من المدنيين قُتلوا، صباح أمس الخميس، بقصف جوي استهدف حي طريق الباب، شرق حلب، بالتزامن مع قصف جوي بالصواريخ الارتجاجية على حي كرم القاطرجي. كما قُتل مدنيون، بينهم نساء ومسنون، بقصف جوي مماثل على العديد من أحياء حلب المحاصرة، منها: باب النيرب، والميسّر، وظهرة عواد، وسواها من الأحياء المحاصرة.
ولم تيأس الأمم المتحدة من إمكانية إغاثة نحو 300 ألف مدني محاصرين في شرق حلب من قِبل قوات النظام، إذ قال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند، أمس، إن المعارضة السورية المسلحة في شرق حلب المحاصر، وافقت على خطة المنظمة الدولية لتوصيل المساعدات، وعمليات الإجلاء لأسباب طبية، لكنها في انتظار الضوء الأخضر من روسيا، والنظام السوري.
وقال إيغلاند في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز”، إن الشاحنات جاهزة في تركيا وغرب حلب لإدخال المساعدات، لكن الأمم المتحدة بحاجة لإخطارها قبل ذلك باثنتين وسبعين ساعة للتحضير “للعملية الكبيرة، والمعقدة، والخطيرة”. وأضاف: “نأمل الحصول على الضوء الأخضر من كل من الجانب الروسي والجانب الحكومي السوري. الإشارة اليوم من الجانب الروسي كانت إيجابية. في كل الأحوال البديل هو أن يموت الناس جوعاً. لا يمكن السماح بحدوث ذلك”.
العربي الجديد- محمد أمين