ألهمت الثورة السورية منذ بدايتها في عام 2011 الناشطة السورية منى بركة لتقدم ما تستطيع في سبيل إنجاحها وتحقيق أهدافها، ابتدأت بالمشاركة في تنسيق المظاهرات والمجال الإعلامي ثم توجهت للعمل الإنساني قبل أن يتم اعتقالها منتصف عام 2014.
قضت منى، والتي عُرفت كناشطة باسم “شمس الدمشقية”، ستة أشهر وعشرين يومًا في زنازين النظام السوري قبل أن يتم الإفراج عنها بعد محاولات حثيثة من أهلها ورفاقها من الناشطين.
لاقت جفوة من الأقرباء قبل الغرباء، إلا أن وقوف والدها وأخوتها معها هو ما منحها القوة لمواجهة العتاب والملام من المجتمع، الذي حملها مسؤولية ما تعرضت له من اعتقال.
اضطرت لمغادرة سوريا سريعًا بعد الإفراج عنها خوفًا من الملاحقات الأمنية المستمرة، واتجهت إلى تركيا بداية عام 2015، حسبما قالت في حديثها إلى عنب بلدي.
واجهت “أولى “الصدمات” عند تواصلها مع المنظمات والجهات التي كانت تمثلها وتعمل لصالحها جنوب دمشق، عبر جمعيتها الخيرية “شمس الحياة بدمشق وريفها”، إذ لم تلق من معظمها سوى الترحيب بالكلمات، والخذلان على أرض الواقع، بحسب تعبيرها.
واكتشفت حينها أن العمل الإنساني والإعلامي لا يبذل دون أجر وبالمغارم التي بذلتها داخل سوريا، أشعرها ذلك بالاضطهاد لحقوقها، لكنه لم يسبب شعورها بالندم.
وأضافت، “لست حزينة أبدًا، وما زلت إلى الآن أحب أن أعمل بالمجال الإغاثي والإنساني وأي مجال خاص بالثورة دون مادة”.
صوت جريء ودافع مستمر
اهتمامها بقضية الناجيات من الاعتقال لم يكن وليد تجربتها الخاصة أو صدماتها المتكررة فحسب بل كان إكمالًا لجهودها السابقة في الداخل السوري التي قامت خلالها بتوثيق ما تستطيع من قصصهن وترجمتها لعدة لغات ونشرها.
سرعان ما عاودت نشاطها في هاتاي، ومرار الاعتقال ما زال حديثًا في نفسها، فجمعت ما استطاعت من الناجيات وتواصلت مع من تمكنت من المعتقلات، وحاولت أن تؤمن لهن ما تستطيع من دعم مادي ومعنوي.
أنشأت مع الناجيات تجمعًا أسمينه “رابطة المعتقلات السوريات“، وأصبحت منى صوتهن المنادي بمطالبهن والساعي لتأمين حقوقهن، إلا أن عملها لم يحظ بعد بتأييد كل الناجيات.
تعرضت جهودها للنقد مرات عدة من البعض اللواتي لم يمنحنها بعد ثقتهن الكاملة، وأشارت منى إلى أنها نالت دعمًا كبيرًا من ناجيات أخريات.
وضعت على عاتقها الدفاع عن قضية حقوق المعتقلات، حسبما قالت لعنب بلدي، متسلحة بما شهدت وسمعت من ظلام الزنازين وبالأحقية التي منحتها إياها تجربتها الخاصة، “سأناشد دومًا (بالقضية)، أريد أن أُعرّف الدنيا كلها بما يجري داخل السجن”.
أسهمت منى بإيصال صوت المعتقلات والناجيات في العديد من المؤتمرات واللقاءات التي أقيمت خلال مناسبات متنوعة في تركيا، إذ تحدثت عن المعاناة المعيشية وعن القسوة والاستغلال الذي تواجهنه من المجتمع.
وألقت كلمة في اليوم العالمي للمرأة، في 8 من آذار هذا العام، أمام الآلاف في أنقرة شرحت خلالها معاناة الاعتقال وما مر عليها خلال احتجازها لدى النظام السوري.
وصفت حال الحضور إثر الاستماع لشهادتها قائلة “سمعت بكاؤهم وحينما انتهيت قالوا لي نحن نعلم بوجود السجن ونعلم أن النساء تتعرضن للسجن لكننا لم نعلم أن الحال هكذا”.
تعتبر منى مهمة إيصال صوت المعتقلات واجب دائم، تتحمل لأجله الضغط النفسي الذي تتسب به ذكريات المعتقل وآلامه.
احتياجات لا تخفى على أحد
احتياجات الناجيات معروفة جدًا، حسبما قالت منى، فهن في حاجة للأمان ولمن يؤمن لهن احتياجاتهن المادية، التي تقف إصاباتهن وأمراضهن التي يعانينها حاجزًا أمام تأمينها بأنفسهن.
تعاني الناجيات من التعب الجسدي والنفسي من متطلبات حياة ما بعد الأسر وقيودها الجديدة، تحلم منى بالحرية التي تمكنها من تكريس وقتها للتبرع بجهودها للعمل الإنساني فقط.
قالت منى إنه يفرض على ضحية الاعتقال أن تكون قوية جدًا بعد خروجها كي تتجاوز ما تلاقاه من محن ومتاعب، وأهم ما تحتاجه هو فرصة العمل الملائمة مع تأمين ما تحتاجه من علاج جسدي ونفسي.
أمل لا ينضب
اضطرت منى لإغلاق مركز افتتحته عند وصولها إلى منطقة “الريحانية” في تركيا، أسمته “مركز شروق الشام الاجتماعي”، بعد شح الدعم المقدم له.
ضم مركزها مجالات إنسانية متعددة من التعليم والإغاثة وكان المقر الأولي لـ”رابطة المعتقلات”، ولكنها لم تستسلم لليأس وما زالت تبحث عن فرصة تمكنها من افتتاح مركز جديد لتقديم ما يفيد من دورات التأهيل والتدريب للناجيات.
لا ينقطع أمل منى بانتصار الثورة وعودة الحق لأصحابه، على حد تعبيرها، في غد تنال فيه الناجيات نصيبهن من عدالة انتقالية حقيقية.
نقلا عن عنب بلدي