يفقد البعض اتزانه ومنطقه الإنساني في منصات التواصل الاجتماعي تحت ضغط تحصيل المتابعين والإعجاب ويُقدم على أفعال مستهجنة وتصرفات مرفوضة لا تقبلها الفطرة السليمة.
البارحة انتشر فيديو لـ”يوتيوبر” سوري وهو يوزع ظرفا فيه سبعة آلاف ليرة أي ما يعادل حوالي الدولارين بطريق مسرحية أقرب للتهريج في السيرك فقد كان هذا “اليوتيوبر” يرتدي لباس المشايخ العباءة البيضاء وغطاء الرأس الأبيض ويردد كلمات تدل على “التقوى” ولا ينسى أن يطلب من مرافقيه أن يقدموا المساعدة بعبارة “عطيها ظرف” لمرأة اشتكت فقر الحال و شخص لا يجد سكناً.
بل ويطلب من أحد الفقراء أن يعانقه في مشهد بطئ (slow motion ) ويقرب اللقطة ( zoom in) ويحولها الى أبيض وأسود ليزيد من تأثيرها على المشاهد، “اليوتيوبر” يعرف بأن اللقطة تمثيل وليس عفوية وأن شخصاً آخر يحمل الكاميرا يقف بالقرب منهما يصور هذا التعانق الإنساني بين روبن هود وفقراء سوريا.
لن أتحدث عن سطحية الطرح والابتذال وتسخير المظاهر واللباس لتحصيل “اللايكات” فهذا اتركه للمعلقين لكن أتساءل عن دور الأجهزة الأمنية التي حكمت المواطن في كل شيء في أفعاله وأفكاره وملابسه وحتى أحلامه
معروف أن سوريا دولة بوليسية أمنية بامتياز يمنع فيها أي مظهر من مظاهر الحراك الاجتماعي إلا بموافقة أمنية ومرافقة من عناصر ظاهرين ومتخفين حتى حفلات عقد القرآن تحتاج لرخصة معقدة فكيف “ليوتيوبر” سائح يأتي من لندن ليتجول بكاميرته في شوارع سورية بهذا اللباس ويوزع ظروف المال بدولارين بطريقة مهينة للمواطن دون أن يكون هذا بتنسيق وموافقة من الأجهزة الأمنية نفسها ؟!
واجب الدولة الطبيعية أن تحمي الشعب من اللصوص والمجرمين ومن مهرجي اليوتيوب المبتذلين الذين لا يتورعون عن أي حماقة في سبيل شهرتهم، هم ينالون ما يريدون بصناعة محتوى هابط يلقى الرواج والمتابعة بينما المواطن البسيط الذي تبيعه دولته في سوق النخاسة يصبح ضحية ويشارك دون أن يدري بصناعة محتوى مقرف.
كم أحزنني صورة المرأة السورية وهي تذرف الدموع وتشتكي من أجل أن يعطيها ظرفا فيه دولارين أو ذلك الشاب الذي يشكو التشرد وهو يقبل كتفه ظناً منه أن هؤلاء من الطهارة والنقاء ما يدفعهم لحل مشكلته.
الوطن عندما تحكمه عصابة همها الجباية والفساد يستباح ويصبح المواطن أرخص السلع المعروضة فيه يستطيع أي “رويبضة” أن يفعل ما يشاء وكيف يشاء فأنت في “سوريا الأسد”
محمد مهنا /مقال رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع