على الرغم من تحقيق بعض النجاحات ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، من بينها الضربات العسكريّة ضدّ كبار زعمائه على غرار أبو علاء العفري المعروف بـ “الحاج الإمام” والنصر السوري المدعوم من روسيا ضدّ قوّات التنظيم في تدمر، إلا أن سيطرة «داعش» على مساحات من سوريا والعراق بحجم بريطانيا لا تزال راسخة. وفي غضون ذلك، يرزح العراق تحت ضغط عسكريّ وماليّ وإرهابي، حيث تم حشد مئات آلاف القوّات لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» مع ضرورة تقديم العون لثلاثة ملايين شخص مهجّر بسبب هذه الجماعة الإرهابية. وفي الوقت نفسه، يستمرّ تنظيم «داعش» بالسيطرة على مناطق في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، من أفغانستان إلى نيجيريا، وهو قادر على ضرب أهداف في أوروبا وربما الولايات المتحدة أيضاً. وبما أنّه لم يتبق لانتخابات الرئاسة الأمريكية سوى أشهر قليلة، فإنّ الحظوظ ضئيلة لنجاح التحالف في ‘هزيمة دولة’ «داعش» و’جيشه’ قبل انتخاب رئيس أمريكي جديد – ذلك التحالف الذي ترأسه الولايات المتحدة ضدّ التنظيم.
وفي ظلّ هذه الظروف، على الرئيس الأمريكي القادم أن يصبّ تركيزه على حقيقة أنّ السياسة الحالية ضدّ العدو الخطير الذي يشكل محور اختلالات في الشرق الأوسط لم تنجح بعد. وحتى الآن، تجنّب المرشحون الرئاسيون الأمريكيون تقديم أي تعليق جدّي: إذ يختبئ الجمهوريون وراء الشعار المبهم ‘اقصفوهم’، بينما لم تقدّم وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، التي تواجه تحدياً من اليسار وتتردّد في قطع العلاقة مع الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، أي تفاصيل محدّدة حول كيف ستنفّذ ‘قيادتها’، المتمثلة بنبرة خطابية [مباشرة]، ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية».
إلا أن ذلك سيتغير مع الحملة الرئاسية الوطنية وحتى أكثر بعد الانتخابات. وبشكل عام، هناك ثلاث استراتيجيات للاختيار منها وحالتان طارئتان للتحضير لهما.
الخيار الأول هو الاستمرار في برنامج الإدارة الأمريكية الحالي ضدّ تنظيم «داعش». تمّ طرح هذا الأمر في جواب من ثماني صفحات قدّمه الكونغرس الأمريكي في منتصف آذار/مارس. ويكمن هدف الإدارة الأمريكية في “إضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» وهزيمته في النهاية” في ‘دولته’ في سوريا والعراق. وتعدّ هذه مقاربة منطقية، إلا أن التنفيذ أبطأ بكثير من أن يعتبر ناجحاً، إذ لم يُعاد إرسال القوات الأمريكية إلى العراق من جديد سوى في حزيران/يونيو 2014. بالإضافة إلى ذلك، وكما تبيّن في مقابلة أجرتها مؤخراً مجلة “أتلانتيك”، من غير المرجح أن يبذل الرئيس الأمريكي باراك أوباما جهوداً أكثرة قوة. وبالرغم من النجاحات الأخيرة التي حُقّقت في الرمادي، وفي محيط الموصل، ونجاح الهجمات ضد قادة تنظيم «داعش»، لم تُجِب هذه المقاربة على السؤال التالي: من أين ستأتي القوات البرية القادرة على التقدم ضدّ وحدات تنظيم «الدولة الإسلامية» المتغلغلة في مدن [العراق وسوريا]؟ لا توجد ضمانة بأنّ هذه المقاربة ستجدي نفعاً لا مع الإدارة الأمريكية الحالية ولا مع تلك التي ستليها في الحكم.
الخيار الثاني هو “إضافة بعض الدعم لذلك المقدّم من قبل إدارة أوباما”، وفقاً لهذا السيناريو، تستمر الولايات المتحدة بالحظر الذي فرضته على إرسال القوات البرية الأمريكية ولكن، تزيد بشكل كبير من دعمها الجوي والاستشاري للقوات المحلية، على غرار ما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً مع الجيش السوري (ولكن، من دون إلحاق خسائر كبيرة بين المدنيين). وينطوي ذلك على استخدام مكثف للمدفعية الأمريكية، وتقديم المشورة ونشر فرق المراقبة الجوية الأمامية على الجبهة، واستخدام مروحيات الهجوم الأمريكية، بالإضافةً إلى تكثيف الضربات الجوية وغارات القوات الخاصة بصورة أكبر، مع اعتماد قواعد اشتباك أكثر مرونةً. ومن المفارقات أنّ الرئيس أوباما قد نفّذ قِسماً من جميع أنواع هذا الدعم ضد تنظيم «داعش» (وبطريقة أكثر زخماً حالياً ضد حركة “طالبان” في أفغانستان)، ولكن بطريقة غير منهجية. وقد توفر هذه المقاربة تقدماً أكبر لكنّها لا تجيب على السؤال: ‘أي قوات برية سيتم استخدامها؟‘
أمّا الخيار الثلاث، فهو تحريك عدد محدد من القوات القتالية الأمريكية، أي ما يقارب كتيبتيْن، تضم كل منها 3000 إلى 4000 مقاتل، تدعمها قوات النخبة التابعة للدول الأعضاء الأخرى في “حلف شمال الأطلسي”، لتقود التحركات التي ستبقى تعتمد بشكل كبير على القوات المحلية في العمليات الفرعية. ويجيب هذا السيناريو على سؤال ‘أيّ قوّات برية سيتم استخدامها’، لا سيما وأن قوّات النخبة المؤلفة من 6000 عنصر أو أقل سبق وأن سجلت انتصارات متكررة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي لديه قدرة محدودة على تحريك قواته المؤلفة من 20,000 مقاتل أو أكثر في المعركة. لكنّ هذه المسألة حساسة سياسياً، نظراً إلى النفور العام في الولايات المتحدة من إرسال القوات البرية الأمريكية إلى المعارك. ولكن في الواقع، أظهر استطلاع رأي أخير اجرته قناة “سي أن أن” بالتعاون مع مركز أبحاث “أو أر سي” أنّ الرأي العام منقسم حول هذا الموضوع، حيث تؤيد نسبة 49 بالمائة نشر القوّات الأمريكية البريّة وترفض 49 بالمائة ذلك. ومع تبوؤ رئيس أمريكي أكثر حزماً سدّة الرئاسة و/ أو مع حصول المزيد من الهجمات الإرهابية، يمكن أن يصبح هذا الخيار قابلاً للتنفيذ، إذ يملك حتى الآن أكبر فرصة للنجاح وبسرعة.
إلا أن حالتين من حالات الطوارئ قد تؤثران على أيّ قرار. الأولى هي حالة ‘اليوم التالي’، فمع استخدام قوات بريّة أمريكية أو بدونها، سيتعيّن على أي إدارة أمريكية أن تلعب دوراً أساسياً على الصعيد السياسي والاقتصادي وربّما الأمني في تحقيق استقرار المناطق بعد هزيمة تنظيم «داعش». إلا أنّ موقف الإدارة الأمريكية مبهم في هذا السياق، حيث تشير إلى عمليّة تقودها العراق في العراق واستناد أيّ حلّ في سوريا على المفاوضات المطوّلة بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة. بيد، يتعيّن على الولايات المتحدة القيام بتخطيط أكبر بكثير، لا سيما إذا لا تريد أن تواجه وضعاً مشابهاً للذي حصل في ليبيا وإنما على مساحة أكبر.
وأخيراً، وكما يُظهر الانتصار الأخير ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في تدمر، ثمة إمكانية أن يحقق الهجوم الروسي-السوري-الإيراني مكاسب حقيقيةً ضد تنظيم «داعش» في سوريا. ولكن، هذه ليست بمكاسب لا تشوبها شائبة. فدوافع روسيا في المنطقة، كما ورد على لسان قائد “القيادة المركزية الأمريكية” لويد أوستن في 8 آذار/مارس هي “تعزيز نفوذها الاقليمي لمواجهة الولايات المتحدة”. لذا فمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» ليس هدفاً بحد ذاته بقدر ما هو وسيلة جديدة يستخدمها الرئيس الروسي بوتين للضغط على واشنطن. وإذا لم تبدأ الولايات المتحدة بقصّ أجنحة هذا التنظيم والتخلص منه على وجه السرعة، فإن ‘نصر’ روسيا وحلفائها ضد هذه الجماعة قد يشكّل تهديداً ليس أقل خطراً من ذلك الذي يطرحه حالياً تنظيم «داعش».
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة “فيليب سولوندز” في معهد واشنطن.
مركز الشرق العربي