منذ نحو خمسة أشهر تحكم قوات النظام السوري حصارها على معضمية الشام بريف دمشق، مانعة دخول وخروج السكان، أو إدخال أي مواد غذائية وطبية، ومحوّلة حياة ما يزيد على 45 ألف مدني من السكان لمعاناة غير مسبوقة.
بات تجمّع عشرات المدنيين أمام مدخل معضمية الشام بريف دمشق للمطالبة بفك الحصار المفروض عليهم من قبل قوات النظام مشهدا يوميا متكررا اعتادته المدينة المحاصرة منذ ما يزيد على 130 يوماً.
فمنذ ديسمبر/كانون الأول الماضي أغلقت حواجزُ النظام المحيطة بالمدينة الواقعة غرب العاصمة كافة المداخل، مانعة دخول وخروج السكان وإدخال أي مواد غذائية وطبية، ومحوّلة حياة ما يزيد على 45 ألف مدني من السكان لمعاناة غير مسبوقة.
وتصف أم محمود للجزيرة نت رحلتها اليومية بحثاً عما يسد رمق أطفالها الأربعة بأنها معاناة كبيرة في زمن بات الطعام فيه محرّماً، وأصبح الخروج من المعضمية يعني التذلل لقوات النظام التي تقابل طلبات السكان وتوسلاتهم بالشتم وتمني الموت لهم جوعا ومرضا.
ورغم ذلك، لم تتوقف السيدة الأربعينية عن التوجه يومياً لمعبر المدينة الأساسي، فهذه المحاولات هي أملها الوحيد لإبعاد شبح الجوع والموت عن أطفالها، خاصة مع غياب زوجها منذ أربعة أعوام في أقبية سجون النظام.
وترى أم محمود أن سياسة الحصار التي يتّبعها النظام منذ أعوام ما هي إلا سبيل للضغط على المدنيين المناصرين للثورة، لدفعهم للاستسلام وتسليم المدينة بما فيها لقوات النظام بهدف تفريغها من سكانها.
وقفة احتجاجية لأطفال من المعضمية أمام أحد حواجز النظام (الجزيرة نت)
سبّاقة بالثورة
وتقع معضمية الشام على بعد عدة كيلومترات غرب العاصمة دمشق، وتتبع إدارياً مدينة داريا، وكانت من أوائل المدن الخارجة عن سيطرة النظام عقب انطلاق الثورة السورية، مما عرضها لحملات عسكرية عنيفة وحصار مطبق مع بداية عام 2013، كما تعرّضت لهجوم بالأسلحة الكيميائية في أغسطس/آب 2013، ذهب ضحيته العشرات من أهالي المدينة.
ولم تمنع الهدنة المبرمة بين المعارضة وقوات النظام مطلع عام 2014 من تكرار حصار المعضمية ضمن سياسة التجويع التي كثيراً ما استخدمها النظام خلال السنوات الأخيرة في حربه ضد المدنيين.
وتدهورت أوضاع أهالي معضمية الشام خلال الأشهر الفائتة بشكل خطير؛ نظراً لانعدام أغلب المواد الغذائية وفقدان أبسط مقومات الحياة من ماء ودواء وغذاء ومحروقات وكهرباء، وذلك بحسب أحد ناشطي المدينة الإعلاميين.
ودفع الحصار المطبق قاطني المدينة للاعتماد على الحشائش والبقدونس والخس والكزبرة، التي يعملون على زراعتها في أراضيهم، أما المركز الطبي فلم يتوقف عن استقبال عشرات الحالات من أطفال وكبار سن مصابين بسوء تغذية وجفاف، مما ينذر بكارثة صحية وطبية حقيقية.
النظام قام بإغلاق مدخل معضمية الشام بالكتل الإسمنتية (ناشطون)
تفتيش دقيق
وأشار محمد نور -وهو عضو المكتب الإعلامي في معضمية الشام- إلى سماح النظام بدخول وخروج طلبة الجامعات فقط، مع تعرّضهم لتفتيش أمني دقيق بهدف عدم السماح حتى بإدخال أرغفة الخبز، التي تُصادر عند معبر المدينة وتُرمى أرضاً على مرأى مئات لم يذوقوا طعم الخبز منذ أشهر.
ودفعت سياسة الحصار هذه الأهالي للتجمع أمام المعبر الوحيد، رافعين شعارات تطالب بفتح الطرق وإدخال المواد الغذائية، ولم يمنع تعرضهم للسب والشتم والضرب وإطلاق الرصاص العشوائي لتفريقهم من قبل عناصر النظام من المحاولة بشكل يومي، أملاً في إبعاد شبح الموت عن أطفالهم، وخوفاً من تكرار ما عاشوه خلال الحصار السابق منذ ثلاثة أعوام.
ونوّه الناشط الإعلامي للجزيرة نت بتوقف المفاوضات بشكل تام بين مقاتلي المعارضة والنظام، بعد إصرار الأخير على تسليم الثوار سلاحهم بالكامل وتسوية أوضاع المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية في الجيش النظامي كشرط لفك الحصار، مع تهديد باجتياح المدينة وقصفها، وهي شروط رفضها ثوار وأهالي المدينة بشكل قطعي.
كما أكد نور سماح قوات النظام بخروج عدد من الحالات المرضية الخطيرة والمزمنة للعلاج خارج المدينة شرط عدم العودة إليها، وهو ما يراه الأهالي محاولة لإفراغ المدينة من سكانها، فإما الموت جوعاً أو المغادرة نهائياً دون عودة.
الجزيرة