أصوات مغيبة في ظلمات سجون النظام، وأنين لأناس غابوا عن الذهن وراء جدران علت مع ارتفاع صوت الحرية، وتوارت عبراتهم يوما بعد يوم بعد أن خَفَتَ صوت الإعلام عنها، لكن لا بد من حملة تلو الأخرى لتذكرنا بمن تم اعتقالهم وتم تغييبهم ما دام النظام قائما، فالسجون السورية “الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود”، ولا يمكن لمن خرج منها إلا أن يحمد الله على تلك المعجزة التي نادرا ما تحصل مع كل تلك الانتهاكات التي رآها في الداخل، ليست فقط على مستوى حقوق الإنسان، بل تعدت حدود الإنسانية جمعاء، وباتت إنسانية فاقدة للشرعية.
“معتقلينا نبض الثورة” حملة أطلقها ناشطون اليوم في (6) آب من الشهر الجاري، للتذكير بمن ضاع حقهم إعلاميا وغاب ذكرهم في غياهب السجون، فهم الحلقة الأضعف بعد تخوف من تصفية السجناء انتقاما لانتصارات الثوار على الأرض، فالمعتقلون ورقة بيد النظام يستغلها أسوأ استغلال، كالعاجز الذي يستبد بمن هو أضعف منه ولا حول ولا قوة له، بداية من الطفل حمزة الخطيب في بداية الثورة، الذي صب النظام جام غضبه على جسده الطفولي وعجزه الواضح عن إيقاف سيل الحرية من خلال تعذيبه حتى الوقت الحاضر وما زال من سيء إلى أسوأ.
مراحل عدة للحملة على الصعيد العربي والدولي، تستعد للانطلاق لمدة أربعة أيام وبمشاركة عدد من نشطاء (حمص وحماة ..إدلب ودمشق)، ومن خلال تكثيف الجهود في الداخل والخارج يدعون المجتمع الدولي للتحرك، واتخاذ إجراءات جديدة تنقذ المعتقلين أو تحسين أوضاعهم، فعلى مدى السنوات السابقة لم يكن هناك أي تحرك ملحوظ لمساعدة من حكم عليه بالموت البطيء تعذيبا وقهرا، بتهم وذرائع لا أصل لها سوى أنهم أرادوا عيشا كريما دون استبداد.
المعتقل ذاك الشخص الذي في غالب الأحيان إما يخرج محمولا على الأكتاف أو ترسل بطاقته الشخصية إلى ذويه دون جثته، على أنه مات بمرض ما وليس من شدة التعذيب وهوله، فيكتب بالتقارير الطبية “تشكيلة متنوعة” من الأمراض تلصق بالمعتقل لتبرير موته، رغم أن النظام لا يحتاج إلى تبرير شيء، ففي ظل صمت عالمي ومحلي مطبق وافق الظالم على ظلمه، والقاتل على جريمته، فالساكت عن الظلم شريك ضالع بالجريمة.
“أم محمد” تجلس وبجانبها أربعة أطفال وأمهم إنها كنتها وزوجة ابنها، وتحكي تفاصيل ثلاث سنوات من الانتظار، ظلت تتأرجح فيها من فرع أمن لآخر وهي تبحث عن ابنها ووالد أحفادها الأربعة: “ثلاث سنوات من القهر.. ثلاث سنوات من دموع لم تجف.. وأنا أدفع بالنقود للمحامين والرشاوي للضباط لعلّي أرى ابني بين سجون إدلب وحماة ووصلت حتى سجن صيدنايا لكن لم أره.. رأيته في النهاية ولكن على شاشة التلفاز بين جثث المئات من المعتقلين رأيته جثة مرمية على الأرض” وتنطق آخر كلمة مع شهقة يزفر بها الصدر من شدة اللوعة، فما أصعب أن تتفاجأ الأم بصورة وحيدها ممددا على الأرض وقد ظهرت علامات التعذيب على كامل جسده.
“ساعدوهم أرجوكم.. فقد ذقت تلك اللوعة من أجل جميع الأمهات.. من أجل كل الأطفال الذين يترقبون عودة آبائهم.. لا تدعوهم يرونهم كما رأيت ابني” نداء أم حرقت قلبها رؤية جسد ابنها ممددا مزرقا من أثر الضرب والتعذيب.. هذه النداءات لا تحتاج تصريحات وتنديدات فقط بل أفعالا تحرك شيئا في الضمير العالمي وتوقظ شيئا من إنسانيته، وتحمله جزءا من المسؤولية أمام أولئك المستضعفين.
المركز الصحفي السوري- آية رضوان