منذ بدء الأزمة السورية والنظام السوري يتبع سياسة الاعتقال التعسفي محاولاً من خلالها قمع المحتجين بسلاح الخوف، لم تكد تخلو مناقشة سورية في المجالس من روايات وقصص التعذيب التي يمارسها النظام ويتفنن في استخدامها ضد أبناء شبعه، جاعلاً منها وسيلة خوف يشعر بها كل سوري رافض لحكم النظام.
منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية، سارع النظام لإخمادها مستعيناً بعناصر موالية له، فكانت المليشيات بالزي المدني، تدخل بين المتظاهرين وتشارك معهم، لتعتقلهم عندما يسمح الوقت وتقوم بتعذيبهم منذ اللحظة الأولى لاعتقالهم، التعذيب الذي ينتهي في معظم الأحيان بالموت،
يقول عمر الشامي أحد سكان ادلب: “طرق الاعتقال كثيرة ومتنوعة، فمن لم يعتقل خلال المظاهرة تعتقله عناصر الأمن داخل منزله، وللحواجز الأمنية التي انتشرت داخل المدن الثائرة الأثر الكبير في ملء الأفرع الأمنية بألاف المعتقلين، كل ذلك أدى لزيادة عدد المعتقلين في كل عام من الثورة”.
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً عن عدد المعتقلين خلال عام ونصف من بدء الثورة فقد بلغ 194 ألف مواطن سوري، بينهم 9 آلاف معتقل دون سن الثامنة عشر، وتحدث التقرير عن السياسة التي ينتهجها النظام السوري وأن قوات الأمن والموالين لها ما زالوا يقومون بعمليات الخطف والاعتقال المستمر إلى جانب عمليات القتل اليومي، فقد بلغت آخر احصائية لعدد المعتقلين لأكثر من خمسة أعوام 215 ألف معتقل.
يتعرض المعتقلون في السجون والفروع الأمنية “لأساليب تعذيب وحشية” تترافق مع حرمانهم من الغذاء الصحي والأدوية لمعالجة أمراضهم المنتشرة بينهم بكثرة، يقول أحمد الحلبي: “نتعرض في كل يوم للتعذيب الشديد، حيث يبدأ التعذيب بإخراجنا من المهجع والذي يضم أكثر من 600 شخص، مع العلم أن الغرفة لا تتسع لأكثر من 300 شخص، بعد ذلك يتم اقتيادنا إلى غرفة التعذيب داخل الأفرع الأمنية والذي يبدأ من الساعة السادسة صباحاً حيث يتعرض المعتقلون لأبشع أنواعه، ويستمر التعذيب حتى الساعة الثالثة عصراً، بعدها يأخذ العناصر استراحة 3 ساعات وليعادوا العمل حتى منتصف الليل.
ومن أكثر أنواع التعذيب استخداما وضعية الشبح التي تربط فيها يدا المعتقل من خلف ظهره، ثم يعلق منهما بالسقف بحيث يلامس الأرض برؤوس أصابع قدميه، وفي بعض الحالات يعلق من إحدى قدميه للأعلى، وقد تتورم أطرافه مما يتسبب في قطعها.
وهناك أيضا وضعية الصلب، حيث يصلب المعتقل ليتلقى الضربات على جسده، وكذلك وضعيات عدة على الكرسي الكهربائي والكرسي الألماني الذي يتسبب بآلام شديدة في الرقبة والعمود الفقري.
بعد التعذيب لأكثر من عشرة أيام يستدعى المعتقل إلى غرفة التحقيق، هناك التعذيب بنكهة أخرى تقوم على زرع الخوف والتهديد في نفس المعتقل، ليصرح بأفعال لم يقم بها، بعد التحقيق يقوم المتهم بالبصم على اعترافاته ليتم تحويله حسب ما اعترف، فمنهم من اعترف على حمل السلاح ليتم تحويله إلى فرع فلسطين، ولكن المعتقلين بشكل عام لا يمضون أكثر من 60 يوماً داخل الفرع ليحولوا بعدها إلى العاصمة دمشق.
كل تلك الأعمال التعسفية بحق المعتقلين، وفي ظل غياب الجهة الطبية التي تشرف على الحالة الصحية للمعتقلين تشهد الأفرع الأمنية مقتل العشرات من المعتقلين تحت التعذيب، وقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أكثر من 1900 شخص لقوا حتفهم منذ بداية العام 2014 في السجون والمقرات الأمنية السورية، غالبيتهم قضوا من جراء التعذيب، حيث ترفض قوات النظام تسليم الجثث لذويها حتى يقوموا بالتوقيع على ورقة أن المعتقل كان من الإرهابين.
اشتهرت خلال الثورة السورية العديد من الأفرع الأمنية والتي امتازت بالتنافس فيما بينها لقتل أكبر عدد ممكن من المعتقلين، احتل فرع المداهمة 215 المركز الأول حيث وصل عدد القتلى تحت التعذيب إلى أكثر من 3.5 شهيد، ونشر مركز توثيق الانتهاكات في سوريا العام الفائت ّالمئات من المعتقلين من الذين قضوا في ذلك الفرع 215 قد تمّ دفنهم في منطقتين متجاورتين نسبياً في “نجها بريف دمشق” ومقبرة “البحدلية” القريبة من الحسينية، وقد قامت قوات النظام بحفر خندقين متوازيين في مقبرة الشهداء في منطقة نجها، حيث تم رصد شاحنتين تحملان العشرات من الجثث التي دفنت في مقبرة جماعية في “البحدلية”
كما تشتهر دمشق بكثرة الأفرع والتي تعرف بظلمها وشدة تعذيبها منها المخابرات الجوية، فرع المنطقة، فرع فلسطين، فرع سعسع، فرع الجوريات.
حاول النظام السوري تبييض صفحته يإصدار رئيسه بشار الأسد مراسيم عفو عن المعتقلين السياسيين ولكن للأسف كان يطلق سراح السجناء المحكومين بجرم جنائي ليبقى معتقلو الحرية في السجون إلى أجل غير مسمى.
آلاف يقبعون في سجون النظام، ليكون ضوء الشمس محرم عليهم، منهم من أمضى سنوات داخلها، ومنهم من فارق الحياة تحت السوط أو الكهرباء، وتبقى دمعة الحزينة المنتظرة عودة أبنائها بعد غياب دام طويلا، والحقيقة أن “الداخل مفقود، والخارج مولود”.
المركز الصحفي السوري
سائر الإدلبي