. بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
ألتحم بالأمس الثلاثاء 28 نوفيمبر حليفا الأسد الروسي والصيني في تقديم فيتو جديد مزدوج يساند نظام الأسد في دمشق متجاوزين جميع المعايير الأنسانية والأخلاقية بهدف تحقيق أهدافهم وبشتى الوسائل ، حيث نتج عن الغيتو الروسي الصيني المزدوج أجهاض فرض عقوبات أممية بحق نظام دمشق تؤيده كافة القوى الغربية نتيجة أستخدام الأسد الأسلحة الكيماوية . وللتوضيح فأن قرار الفيتو المزدوج الروسي الصيني لصالح الأسد ليس جديدا ضمن فصول مسرحية مجلس الأمن الهزلية ، فلقد أجتمع الدب الروسي والتنين الصيني في أروقة مجلس الأمن المصاب بالسرطان الأخلاقي ولعدة مرات لنسف القرارات الدولية الملزمة بتطبيق العقوبات على دمشق ومحاسبة الضالعين في قتل الشعب السوري والتي من شأنها (قرارات مجلس الأمن ) في حال تطبيقها محاصرة الماكينة العسكرية الأسدية وتخفيف فاتورة القتلى وطرد فيروس الموت خارج الجسد السوري . وللتذكير فأن الفيتو الروسي يحمل الرقم سبعة بينما الفيتو الصيني يحمل الرقم ستة وكلاهما تم الأقرار بهما لصالح الأسد ، وفي ذات المنحى قيام واشنطن بأستخدام حق الفيتو 42 مرة في مجلس الأمن من أجل حماية الكيان الصهيوني فيما يتعلق بأدانة الأستيطان ، وتلك الأرقام المشينة تفضح لنا وبشكل علني سباق الدول الأستعمارية الكبرى في مضمار مجلس الأمن لتأييد حلفاءها في العالم بلا حدود من خلال حق النقض (الفيتو ) والذي يعتبر وصمة عار على جبين البشرية وسقطة مدوية لتعاملات الدول فيما بينها . أما وبالنسبة لقرار الفيتو الروسي الصيني المزدوج فأن هاتين الدولتين تتذرعان بالقول إنهم يستخدمون الفيتو كي يمنعوا الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب من إيجاد أسباب وذرائع للتدخل العسكري في سوريا ! وكأن الرقعة السورية لم يغتصب ترابها كافة جيوش العالم برا وبحرا وجوا ؟؟ بأستثناء قوات جزر القمر !! ولقد أصبح مجلس الأمن حلبة صراع دولي ومظهر من مظاهر تسجيل النقاط على الخصوم ، ولكي لانغوص في مبرارات أستخدام موسكو وبكين حق الفيتو لصالح الأسد ، حيث أصبح الحديث مملا جدا حول هذا المحور وأخذ كفايته من جميع النواحي وقد تطرقنا عدة مرات من خلال مقالات سابقة حول هذا الموضوع بالذات ، فلنرجع عدة خطوات للوراء لفهم أسباب تصدع مجلس الأمن والدوافع التي أدت لأنحراف عربته عن مسارها الصحيح ؟؟ وللأجابة عن هذا السؤال يجب علينا القيام بقراءة بسيطة لتاريخ مجلس الأمن لكشف الحقيقة ، تعريف مجلس الأمن وبحسب التوصيف الغربي والبعبد عن التطبيق ، هو المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، ولمجلس الأمن سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء لذلك تعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء (المادة الرابعة من الميثاق) ، كما ويضم مجلس الأمن خمسة عشر عضوا ( خمس أعضاء دائمين أمريكا ، روسيا ، فرنسا ، الصين ، المملكة المتحدة ، بالأضافة إلى عشر أعضاء غير دائمين يتم أستبدال خمس أعضاء كل سنة ) ، أهداف نبيلة تلك التي بني عليها مجلس الأمن مع التحفظ على قانون الخمسة الأعضاء فقط !! ولكن منح حق الفيتو لأولئك الأعضاء هو المشكلة الحقيقة والفجوة القانونية الخبيثة في دستور مجلس الأمن ، فحق النقض الفيتو هو الحق الذي يسمح للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في أن تُبدي الأعتراض على أي قرار يصدر عن المجلس دون ذكر الأسباب، مما يؤدي إلى تعطيل دور مجلس الأمن الحقيقي في أحقاق السلام العالمي كما ويجعل المجلس مرتبطا بأهواء ورغبات الدول دائمي العضوية ، وهذا هو السبب الرئيسي في تقويض مهام مجلس الأمن (فما بني على باطل فهو باطل) . والسؤال العفوي .. كيف لمجلس الأمن الدولي بأن يقوم بمهامه على الوجه الأكمل بتحقيق الأمن وتطبيق السلام في العالم وقد منح الأقوياء فقط بعيد أنتصاراتهم في الحرب العالمية الثانية سلاحا دمويا من الطراز الأول (الغيتو ) ؟؟ فمجلس الأمن مهما علت نبرته وحمي وطيسه فهو رهن رغبات الدول دائمي العضوية ، بل أن مجلس الأمن مجرد منصة وهمية لأقناع الشعوب المضطهدة بأن هناك من يمثلهم على الساحة الدولية !! ولكشف ملابسات هذه الرؤية المظلمة والتي يعتبرها بعض الكتاب (العرب) الذين ينتمون للغرب أكثر من أنتمائهم للنسيج العربي ويتبجحون بذلك بشكل غير علني من خلال خط سير أقلامهم بأن تلك النظرة الهجومية على مجلس الأمن الدولي نابعة من الحقد العربي تجاه الغرب !! ولكشف الحقائق فأن مجلس الأمن قام بأصدار القرار رقم (1441) بتاريخ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 الخاص بتفتيش الأسلحة في العراق وهو القرار الذي أستندت عليه قوات التحالف لتبرير شرعية غزو العراق ، ولقد أعترى القرار الكثير من الطعون القانونية التي تؤكد عدم شرعيته من جهة وعدم نصه بشكل صريح أو ضمني على أستخدام القوة العسكرية في حال مخالفة العراق للقرار !! ولكن غزو العراق قد تم خارج أروقة مجلس الأمن ، بالأضافة إلى قرارات واشنطن بتأييد الكيان الصهيوني ومنع أي قرار يصدر عن المجلس يدين من خلاله الأستيطان عبر تطبيق قرار الفيتو ليتحصل الساسة الأمريكيين على الميدالية الذهبية بالفيتو من خلال 42 مرة !! رغم جميع المأسي والمجازر التي لحقت بالشعب الفلسطيني على مر السنين ومع أعتراف أغلب الدول الأعضاء بعدم شرعية الأستيطان ، ولكن عندما يدخل الحق بوابة مجلس الأمن يتم قنصه من قبل الأعضاء الدائمي العضوبة وبكل قسوة ممكنة . وبالعودة لموضوعنا حول قرار الفيتو الروسي الصيني المزدوج حول سوريا فلا يجب ألقاء اللوم فقط على هاتين الدولتين !! مع التنويه بأن قرار الفيتو والذي نحن بصدده ليس ملزما لجميع الأعضاء !! حيث أعلنت الولايات المتحدة أنها مصممة لدفع الأتحاد الأوروبي وحلفائها الآخرين إلى فرض عقوبات على دمشق بسبب أستخدامها للأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين في سوريا (والقرار الأمريكي بعدم الأنصياع للفيتو الروسي الصيني ينسف تماما ميثاق مجلس الأمن بخصوص أحد بنوده حول حق الفيتو ، حيث أن شاء أحد الأعضاء فأنه يستطيع الألتفاف على الفيتو خارج قاعة المجلس ) ، ولتعميق الفكرة أكثر فأكثر فأن أرادت أحدى الدول الكبرى معاقبة الأسد بل وغزو دمشق في بدء الثورة السورية فهي لاتحتاج لقرارات مجلس الأمن وكما حصل في العراق ، فعلى سبيل المثال فأن قرار منع توريد مضادات الطيران لقوى المعارضة السورية في عهد أوباما والذي كان سيقلب موازين المعركة لم يصطدم بفيتو دولي ، كما أن أطالة أمد الأزمة السورية وتمييعها من خلال المؤتمرات الدولية الهشة رغم تبجح الدول في مجلس الأمن برغبة الجميع بأنهاء الصراع الدموي لم يستخرج قرارا موحدا لتخفيف ألام السوريين مهما كان الأثمان باهظة لخلق هكذا قرار . وأن أمعنا التفكير ودققنا النظر وبشكل موضوعي بتصرفات الدول الكبرى الغير مسؤولة فهي تقوم بالضغط في عدة أتجاهات وتشرعن أعمالها العدائية ضد دول العالم من خلال مجلس الأمن ومجلس حقوق الأنسان ومحكمة لاهاي ومختلف المنصات (الغير ) قانونية لتحقيق أهدافها بسبب أنعدام الضوابط الرادعة تجاه المخالفين للقانون الدولي ، وهنا ستظهر بعض التساؤلات وأشارات الأستفهام حول عدم مقدرة مجلس الأمن بفك شيفرة الأزمة السورية بسبب تحول العالم من أحادي القطب إلى ثنائي القطب والحديث هنا عن روسيا وعودتها القوية إلى الساحة الدولية ؟؟ وجواب هذا السؤال الشائك يجب أن يمر من الأراضي الأوكرانية وبالتحديد من شيه جزيرة القرم !! فعندما أحتلت روسيا شبه جزيرة القرم وأحتشدت دول العالم لمواجهة البطش الروسي ولمعاقبته على الأخلال بالقانون الدولي فلقد صاغت (الدول الأعضاء في مجلس الأمن ) مشروع قرار يعارض الأستفتاء في شبه جزيرة القرم ، لتقوم روسيا بأستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن الدولي ، لتبادل واشنطن وحلفائها الأوربيين موسكو بأستخدام القوة خارج ممرات مجلس الأمن وذلك من خلال محاصرة روسيا من جميع الجوانب عبر نشر منظومات صواريخ متطورة في الدول المحاذية لروسيا ونشر عشرات الألأف من الجنود في مختلف النقاط الحساسة على الشريط الحدودي لروسيا الأتحادية مما قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة تقصم ظهر البشرية وتقضي على عشرات الملايين من سكان العالم ، وهذا يتعارض تماما مع أولويات مجلس الأمن بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين والتحقيق في نزاعات الدول التي قد تؤدي إلى نزاع دولي . وبمعنى أدق فأن توصلت الدول الكبرى إلى نتيجة جماعية أو فردية بضرورة أنهاء الأزمة السورية والقضاء على الأسد فأن الرجوع إلى مجلس الأمن يصبح تحصيل حاصل !! وهذا مايعكس حقيقة تدهور السلم العالمي ، ويوضح بشكل لاجدال فيه ألية عمل مجلس الأمن المخل بالأمن الدولي.