دخان ذو رائحة نفّاذة، وألسنةُ لَهَبٍ صغيرةٌ، تظهر على استحياء من قلب وعاء حديدي عتيق، جمعت فيه آية وأخوتها بعض أكياس “النايلون” وقليلا من الأعواد التي التقطوها من هنا وهناك؛ ليحصلوا على قليل من الدفء بعد أن نخر البرد عظامهم الهزيلة.
آية، طفلة لم تتجاوز الثامنة من العمر، غيّبَ الدُّخانُ بعضا من ملامحِ وجهها الأبيض وأَسالَ الدمعَ من عينيها اللوزيتين، لكنه لم يستطع أن يغطي ابتسامتها الشفافة الدافئة على الرغم من البرد الذي تشعر به.
تمدُّ يديها الصغيرتين فوق الوعاء، وتفركهما مع بعضهما لِتَتَخَطّفَ قليلا من الدفء، تُمْعِنُ النَّظر وتطيل الابتسامة ذاتها، لتشكو حالها ومعاناتها مع حطبٍ رطبٍ يأبى أن يشتعل، وكأنّه يعاندها كما تعاندها تلك الأيام العصيبة التي تمرّ بها.
تُفْصِحُ آية عن إحساسها بالبرد، وتبوح بصقيع أَرْعَدَ فرائصَها كصقيعِ حياةٍ اضطرتْ أنْ تعيشَها ويعيشها الكثيرون في مخيمات النزوح؛ بسبب النظام المجرم وبراميله المتفجرة:
” أنا بردانة، ما عنا صوبة ولا مازوت و لاشي.. والحطب عم نلموا كلو مي.. وماعم يشتغل معنا.. عم نفيق من بكير.. من الصبح عم نشغّل هالنّار.. وبردانين ومبوظين.. وخيمتنا بتظلم بوظة.. شو بدنا نسوّي.. وغراضنا كلها راحت ..”.
أحلام آية لاتختلف كثيرا عن أحلام أتْرابِها في مخيّمات النّزوح، فهي لاتريد دمية، ولاقطعة حلوى، ولا حتى فستانا مزركشا جميلا. إنّها الآن تريد الدفء وحسب، لها ولأخوتها الصغار الذين تصطك أسنانهم ويرتعشون بردا:
” بتمنى يكون عنا صوبة والله هلكنا ونحن عم نشغل هالنار.. النار عم تعذبنا..وعم نلقط ورق.. وحطب.. وكياس.. وكل شي.. ومانا عم تشتغل النار.. وعما تعذبنا لحتى تشتغل ..وبتمنى يكون عنا صوبة وسجاد..”
هجّر النّظام الملايين من أبناء سوريا، تركوا بيوتهم ومنازلهم ومتاعهم وكل ما يملكون، وكان الأطفال من أكثر المتضررين بهذا التهجير القسري الممنهج. عانوا من الانقطاع عن التعليم، والتشرد، والفقر، وسوء الأحوال الاجتماعية ككل، فكبروا قبل أوانهم، وَوُئِدَتْ أمانيهم، وبات الحصول على مدفأة وسجاد أكبر همهم في مخيمات النزوح التي ترزح تحت وطأة بردٍ قارس جَمَّدَ أحلامَ الطفولة.
قصّة خبرية/ ظلال عبود
المركز الصحفي السوري