يبدو أن روسيا بدأت في لملمة نصيبها مما تبقى من القطاعات الحيوية في سوريا، بنَهَم ملحوظ، كمحصلة “قطف ثمار” تدخلها العسكري في البلاد منذ منتصف أيلول عام 2015، أو هكذا يبدو.
العقود الروسية المبرمة حتى الآن تقدر بالعشرات بعضها كُشِفَ عنه بمحض “صدفة إعلامية”، كتلك التي نُشِرت على “البوابة الرسمية للمعلومات القانونيةِ الروسية”، تقرّ بتنازل النظام عن أراضٍ ومساحات مائيةٍ في مدينة اللاذقية، وأخرى جاءت عبر رسائل معلنة، خلال زيارة الوفد الروسي إلى سوريا، ممثلاً بوزير خارجيتها، سيرغي لافروف، الذي لم يطأ دمشق منذ عام 2012.
لم يختلف زخم عقود موسكو المبرمة مؤخراً مع النظام، الذي بات موضع تساؤلات حول مساعي روسيا فيما تبقى من سوريا، بعد أن سارع الحلفاء من بينها واشنطن وطهران في الاستحواذ على مفاصل الاقتصاد السوري.
مزاحمة إيران
بدأت العقود الروسية في سوريا، على خجل، منذ عام 2013، كان أولها عقد “عمريت” البحري، والقاضي بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية لـ25 عاماً، تلاه عقد مع شركة “سوفوكريم” الروسية، في شباط 2016 لبناء مطاحن للحبوب، من ثمّ ذاع صيت شركة “ستروي ترانس غاز”، وغيرها من شركات تأهيل محطات توليد الكهرباء.
لكن زخم العقود المعلن عنها مؤخراً، ليست إلا محاولة للحد من التغلغل الإيراني في سوريا، خاصة أن إيران أضحت ترزح تحت عقوبات أحادية ودولية، بشكل تراكمي، ما يجعل الوقت، بالنسبة إلى موسكو، مناسب، بحسب ما يراه الإعلامي السوري والخبير في الشأن الروسي، الدكتور نصر اليوسف، في حديث لأورينت.
ولعل روسيا بدأت اللعب في “الوقت بدل الضائع”، خلافاً لإيران التي سعت في الأعوام الأولى من الثورة للاستثمار في البنى التحتية، فموسكو تسعى الآن جاهدة لتلافي عجزها في دحر إيران من سوريا، تُرجِمَت عبر إبرامها لعقود استثمار طويلة الأجل، تستهدف ترميم منشآت سابقة لها في سوريا، وابتلاع الساحل السوري، وهو ما جاءت على ذكره دراسة أعدها “معهد السياسات والاستراتيجية” الإسرائيلي، في 9 من آب الماضي.
ماذا عن الحلفاء؟
يقول دكتور نصر، إن روسيا استثمرت في حلفائها، ماعدا إيران، في المنطقة، واستبعد نصر نشوب أي حرب، عسكرية كانت أم اقتصادية، بين واشنطن وأنقرة وموسكو في سوريا. فموسكو، بحسب اليوسف، جذبت إليها الاقتصاد التركي بالاتفاقيات والعقود المبرمة، ورخص التصدير بين البلدين، ومد أنبوبين للغاز في المنطقة أحدهما إلى تركيا، وبيع صواريخ الـS – 400 إلى أنقرة، فضلاً عن استئنافها رحلات لنحو سبعة ملايين ونيف من السياح الروس إلى تركيا. في مجملها، بحسب اليوسف، هي أوراق اقتصادية ضمنت لهدنة الخامس من آذار المبرمة بين الرئيس التركي ونظيره الروسي في موسكو البقاء قيد التنفيذ.أمريكياً، لا يرى اليوسف بوادر تصعيد روسي أمريكي في شرق الفرات، فمصالح موسكو تصب في الوقت الراهن في خدمة واشنطن، عبر شخص الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يستعد حالياً إلى خوض انتخابات حاسمة مع نظيره جو بايدن، البديل الأمريكي “غير المفضل” لدى الروس، فروسيا تريد النجاح لترامب، حسب قوله.
فزاعة “قيصر”
قبيل دخول “قيصر” حيز التنفيذ، صرح نائب رئيس الحكومة الروسية، دميتري روغوزين، بأنه “حان الوقت لجني أموال ميزانتينا لمواطنينا، للناس الذين ينتظرون أيضًا مقابلًا ما، لقاء العمل الكبير الذي قامت به روسيا الاتحادية على الأراضي السورية”.
لكن “قيصر” لم يغير شيئاً في المشهد الاقتصادي، خاصة وأنّ الاتفاقيات الروسية المُعلن عنها، كانت قد أُبرمت في تموز الماضي، أي بُعيد شهر على بدء تطبيق عقوبات “قيصر” على نظام أسد.
فرغم “قيصر”، إلا أن شركات روسية كانت مُعاقبة سابقاً بفعل نشاطها الاقتصادي في شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا، أبرمت عقوداً اقتصادية مع نظام أسد، بحسب اليوسف.
وختم اليوسف بالقول: “إن هذه الاتفاقيات ستبقى سارية المفعول حتى بعد سقوط نظام أسد، لطالما أن الأمم المتحدة لاتزال تنظر إلى أسد بصفة “شرعي”.
نقلا عن اورينت نت