اختتمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أول أمس، زيارة استمرت ثلاثة أيام إلى القارة الأفريقية، شملت مالي والنيجر وإثيوبيا. وحملت ميركل في جعبتها، في الزيارة الرسمية الأولى لمستشار ألماني منذ 20 عاماً، العديد من الملفات التي كانت مدار مباحثات مع قادة هذه الدول، منها ما يتعلق بسياسات الهجرة ومحاربة أسبابها، وكيفية العمل على انخراط الاقتصاد الألماني في القارة، والعمل على إطلاق المزيد من المبادرات لتحسين الظروف المعيشية، إضافة إلى المساعدات التي تهدف لتأمين الاستقرار الأمني.
وتعهدت ميركل بعد اجتماع مع رئيس النيجر، مامادو ايسوفو بتقديم 17 مليون يورو كدعم مباشر للاقتصاد ومكافحة التهريب وتأمين أمن الحدود، بالإضافة إلى تزويد قوات بلاده بعدد من المركبات، وغيرها من المعدات خلال السنة المقبلة بقيمة 10 ملايين يورو لمحاربة المتطرفين الذين يتسللون إلى البلاد من الجزائر، علماً أن هناك توجهاً لبناء قاعدة عسكرية في النيجر للمساعدة في محاربة الجهاديين في مالي المجاورة. وفي مالي، التي تعاني من الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة و”بوكو حرام”، حضرت الملفات الاجتماعية والأمنية، فيما تحدثت المستشارة عن نوع جديد من التعاون، والبحث عن أهداف أكثر واقعية وتعزيز فرص العمل للكثير من الشباب. وتشير المعلومات إلى أن ميركل تسعى لتعزيز شراكة الهجرة مع مالي، واعتماد نموذج جديد على غرار اتفاقية اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
وفي إثيوبيا، حيث طغا الاضطراب السياسي الداخلي على الزيارة، وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد بسبب التظاهرات ضد الحكومة، كان ملف اللاجئين والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان الأساس. وأكدت ميركل، في كلمة أمام الاتحاد الأفريقي الذي يضم 54 دولة، في أديس أبابا أن الاستقرار في مؤسسات الدولة أساس التطور في أفريقيا، التي وصفتها بأنها قارة المستقبل، مشيرة إلى أن هذا الأمر يتطلب إصلاحات سياسية واقتصادية، وتحمل المزيد من المسؤولية، واعتماد الحوار والانفتاح وتعزيز الديمقراطية، وضمان حقوق الشعب، علماً أن التقارير أشارت إلى أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” وثقت أخيراً حالات تعذيب في السجون والقمع خلال الاحتجاجات من قبل الشرطة، واستعمال العنف المفرط؛ ما تسبب بأحداث دموية.
في المقابل، يرى خبراء اقتصاديون أن زيارة ميركل مليئة بالتناقضات، لكون تلك البلاد ضعيفة اقتصادياً، وبالكاد تؤمن فرص عمل لشبابها، وبالتالي يمكن القول إن الشباب فقد الأمل انطلاقاً من مقولة “ليس لأن هذه المجتمعات لا تريد إنما لأنها لا تستطيع”. ويلفت هؤلاء إلى أن ألمانيا تسعى مع السلطات الاستعمارية السابقة كفرنسا، التي لا يزال لها تأثير قوي على تلك البلدان، لتأمين دعم أكبر وبناء الهياكل الأمنية والاقتصادية وعقد اتفاقات الهجرة، ودعم مشاريع التنمية الاقتصادية وتحسين البنية التحتية، خصوصاً في قطاعات الري والزراعة والتعليم والرعاية الصحية.
وفيما يتعلق بإمكانية نجاح تلك التوجهات، يرى الخبراء أن في أوروبا رغبة جدية لتقليل عدد اللاجئين على المدى المتوسط والبعيد، كون عدد سكان هذه القارة سيتضاعف خلال الـ 35 عاماً المقبلة، وهو ما شددت عليه ميركل في بداية زيارتها وفي تصريحاتها الإعلامية بقولها إن المطلوب الاهتمام أكثر بالقارة الأفريقية، للحد من تدفق سكان الدول الأفريقية الفقيرة أو التي تعاني من سوء الحكم إلى أوروبا، موضحة أن ازدهارها يخدم مصلحة ألمانيا، كون إيجاد الظروف المعيشية الأفضل يسمح للمواطنين بالاستقرار في بلدهم، فيما يرى مطلعون على الشأن الأفريقي أن أوروبا تضخ، منذ عشرات السنين المساعدات الإنمائية والتبرعات لأفريقيا، ونسبة النجاح ما زالت تقارب الصفر، نظراً لما تعانيه القارة من كوارث حقيقية وعلى جميع المستويات.
العربي الجديد