عينان بنيتان واسعتان وشعر أسود كالليل الحالك تزينه ابتسامة بريئة لطفلة لم تتجاوز السابعة من عمرها بعد, ولا تعرف من الحياة إلا المرح والأمل بالرغم من كلّ البؤس الذي مرّت به.
هنا في إحدى حدائق أحياء مدينة إبراهيم الخليل “شانلي أورفا” وبينما كنت أفسّح ابنتيّ في تلك الحديقة ما بين أرجوحة ومزلقة “الزحليقة” وجهاز التوازن “الميزان” والفرس الصغير الأخضر ذي النابض الأصفر، بالإضافة إلى بعض ألعاب الكبار, طلبت مني إحدى ابنتي أن أركبها الأرجوحة، وكان لابدّ لنا من الانتظار بعض الوقت، ريثما يأتي دورنا, فعدد لا بأس به من الأطفال ينتظرون دورهم على الأرجوحة، ولا سيّما أنّها كانت مقفلة بسبب وباء كورونا منذ أكثر من شهرين.
تقدّمت طفلة مرتبة وجميلة باتجاهي وقالت بصوتها الناعم كعصفورة تغرّد في أذني باللهجة الشرقية في سوريا: “عمو إذا تريد ركبها بدوري أنا بستنا ليجي دور غيره وبركب بيها”
فأجبتها وقد سحرني أدبها ولطفها وإيثارها على لعبة تنتظر للوصول إليها, فاللعب هو أعزّ ما يملك الأطفال, وقد آثرت ذلك على نفسها: “لا يا صغيرتي, شكراً لكِ, فلا بأس لدينا بالانتظار”, إلاّ أنّها أصرّت على أن تمنح دورها لابنتي التي ألّحت بطلب ركوب الأرجوحة, وبدأت تساعدني في دفع الأرجوحة بينما تجاذبنا أطراف الحديث سويةً, “ما اسمك يا صغيرة؟؟” فأجابت وهي لا تزال تدفع الأرجوحة بيديها الصغيرتين: “اسمي رؤى” ومن ثمّ أشارت بيدها وقالت: “ساكنة هنيك بهديك البناية مع عمو وبنات عمو”.
“وأين أهلك يا رؤى؟؟” سألتها وأنا على يقين من الإجابة التي ستقولها بأنّ الحرب السورية سرقتهم منها, فأجابت والحزن حوّل ملامح وجهها البشوش بشكل غريب إلى وجه يشوبه الحزن والأسى وقالت: “البابا والماما ماتو بسوريا وأنا عايشة مع عمو وبيت جدو”
يالقهر الأطفال!!! انتابني شعور غريب وأحسست أنّ شيئاً قد أطبق على صدري, وأنّ الدموع تجابه سمات الرجولة بداخلي، لتخرج صارخة من ألم كبير جداً على طفلة بعمر الياسمين, “الله يرحمهم يا عمو, وإن شاء الله مبسوطة عند عمك!!”
فبدأت تجوب المكان بناظرها وأجابت وهي تشير إلى طفلة في العاشرة من عمرها تقريباً: “هديك بنت عمو سوسن, ودائماً منلعب بالحديقة سوا, وبحبها وبحب عمو كتير, عمو بيشتريلي شو ما بدي”
فحمدت الله كثيراً أن زرع حبّها في قلوب من حولها رأفة بحالها, فالله قد تكفّل بها بعد أبويها اللذين كانا ضحيّة حرب قاسية لا تعرف الرحمة ولا تميّز بين صغير أو كبير.
ذكرتني رؤى بأسامة وحذيفة اللذين فقدا أبويهما إثر قصف قوات النظام لمنزلهما في ريف إدلب الغربي, وهما لا يتجاوزان الثانية عشرة من عمرها بعد, ليكون قدرهما أن يعيشا هنا في هذه البلاد البعيدة مع خالهما وزوجته التي أيضاً تكون عمّتهما, بينما بقيت أختهما مع جدهما وجدّتهما في سوريا ليفترق الأخوة، بسبب حرب سبّبها طاغية مستبداعتبر كلّ من لا يقف في صفّه هو عدوّ يوجب عليه قتله وتشريد أبنائه.
قصة خبرية
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع