كم هي جميلة في ذاكرة ثوار درعا تلك اللحظات التي عاشوها يوم أن خر تمثال الطاغية “حافظ الأسد” الى الأرض معفرا وجهه بالتراب!
كم هي زكية روائح الحرية تعبق في الأجواء لتكسر حواجز الرعب والخوف والقدسية لذلك الرمز !
إنها تشبه لحد قريب إسقاط سجن الباستيل الذي قام به ثوار فرنسا!
لم يفتئ النظام السوري القابع على صدور السوريين عقودا مديدة يمارس فيها أقسى أنواع الظلم والتعذيب والحرب الناعمة والحديدية. واستمر ذلك حتى بعد قيام الثورة السلمية إصرارا منه على الحل الأمني رغم انتشار المظاهرات كافة أرجاء المدن والأرياف السورية.
لم يتمالك النظام نفسه أن رأى المتظاهرين بالآلاف في درعا في مدينة الصنمين كسروا الخوف
وأخمدوا نار الجبن، فجن جنون أحد ضباط النظام أن رأى تحرر الناس يبرق فوق رؤسهم، فما كان منه إلا أن فتح رصاصات عشوائية لا تميز قلب شاب عن أخر، ولا رأس ثائر عن مجاوره، انغرزت تلك الرصاصات في تلكم الأجساد لتطفئ شعلة تنادي بسقوط الأسد، فراح ضحية ذلك 20 شابا مسالما
أعزلا، وجرح معه 40 ، في يوم واحد، ثمنا للكلمة التي صدحوا بها في سماء درعا.
ما إن سمع أهالي درعا بالمجزرة الرهيبة التي حصلت في درعا وأخرى في اللاذقية و 9 قتلى في طفس، حتى اشتعلت صدورهم نار تتأجج لا تبالي بموت ولا حياة فقاموا بالانتقام والثأر بما يستطيعون وحرقوا تمثال حافظ الأسد ومزقوا صورة بشار الكبيرة.
لم يتحمل الأمن هذا المنظر الغائب منذ 25 سنة عن الساحة السورية، فأطلقوا النار الكثيف انتصارا للتمثال والصورة، وصبوا جام حقدهم على المتظاهرين الذي أرغموا أنف التمثال أرضا محطما.
القناصة يقنصون الناس من بيت المحافظ في نفس الساحة. ليسقط 12 شابا ثمنا لذلك.
فماذا كانت ردة فعل النظام على ذلك؟؟
كشف ضابط منشق بعد سنوات للإعلامي حسام الدين محمد، عن معلومات سرية تظهر تفاعل النظام مع أول سقوط لتمثال حافظ في الثورة السورية. حيث أرسل النظام قافة كبيرة من السيارات العسكرية
المصفحة الى المنطقة عبر الطريق العسكري الواصل بين السويداء ودرعا وتزامن وصولها إلى الملعب البلدي مع وصول 4 طائرات مروحية وخرج ماهر الأسد واتجه مباشرة الى قائد لواء الدبابات وهو برتبة عميد وصفعه بشدة، وهو يسب ويشتم قائلا ” يا حيوان بدي قوصك واحسب الله ما خلقك ،تمثال بيوقع وانت لسا عايش والله تأحرقك أنت ودرعا سوى”.
وأضاف أنه جرت اتصالات مكثفة على الخطوط العسكرية وأوامر متضاربة وسط فلتان أمني كبير في الكتائب العسكرية بدرعا، وبعد ذلك غادر 26 ضابطا الملعب البلدي إلى المكان الجديد ومعهم ماهر الأسد الذي بقي لمدة 4 ساعات متواصلة وضعوا فيها خطة للقضاء على الشباب الثائر، بسبب إسقاطهم تمثال حافظ الأسد.
وتابع أنه بعد الاجتماع بدأ العمل العسكري ضد الحراك السلمي، وأصبحت التقارير الساعية واليومية ترفع للقصر الجمهوري بعدد القتلى وتصل لبشار حصرا، وقام النظام بإرسال العشرات من المخابرات العسكرية للمشاركة في وأد الانتفاضة السلمية.
ولكن التمثال سقط وسقط بعده أعداد كثيرة!
محمد إسماعيل/ المركز الصحفي السوري