دبلوماسي أميركي يتوقع ظهور تنظيم يخلف داعش، وباريس تؤكد التزامها عسكريا مشددة على أن متشددي الدولة الإسلامية لم يتم محوهم من على الخريطة.
سيكون لانسحاب القوات الأميركية من سوريا تأثيرات واسعة خصوصا في ميدان المعارك، إضافة إلى العديد من التداعيات الجيوسياسية.
في ما يلي نظرة على التداعيات المحتملة المترتبة على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب الجنود الأميركيين البالغ عددهم 2000 عنصر من سوريا بعد أن أعلن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
المقاتلون الأكراد وتركيا
المقاتلون الأكراد هم من بين أكثر الأطراف القلقة من الانسحاب الأميركي إذ أنهم يشكلون العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية المعارضة التي سيطرت على نحو ربع مساحة البلاد بدعم من واشنطن.
وتوعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع بـ”التخلص” من قوات حماية الشعب الكردي التي يرى أنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمرداً داخل تركيا منذ 1984.
وأجبرت تركيا سابقا على التصرف بحذر في سوريا لتجنب أي إصابة بين الجنود الأميركيين وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى أزمة.
وبعد ساعات من إعلان ترامب، قالت الولايات المتحدة أنها وافقت على صفقة بيع صواريخ باتريوت بقيمة 3.5 مليار دولار إلى تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي والتي أغضبت الولايات المتحدة سابقا بالتوقيع على صفقة أسلحة مع روسيا.
هل يمكن أن يعود تنظيم الدولة الإسلامية
من المؤكد أن المقاتلين الأكراد الذين شكلوا خط المواجهة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، سيغيرون تركيزهم في حال تعرضوا لهجوم من تركيا.
ولم تعلن الولايات المتحدة عن نهاية لحملتها الجوية في سوريا، ولكنها ستعتمد بشكل أقل بكثير على المعلومات الاستخباراتية دون وجود جنود لها على الأرض.
وأشار منتقدو ترامب إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية انتشر في العراق بعد قرار سلفه باراك أوباما، الذي كان حريصا على إنهاء التدخل الأجنبي الخارجي، سحب القوات الأميركية.
وقال ايلان غولدنبرغ الدبلوماسي الأميركي السابق والذي يعمل حاليا مركز “نيو اميركان سيكيوريتي” إن تنظيما يخلف تنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن يظهر، مما يمكن أن يستدعي تدخلا أميركيا جديدا.
وكتب على تويتر “نحن على وشك أن نكرر نفس الخطأ في الشرق الأوسط والذي ارتكبناه مرارا وتكرارا في السنوات العشرين الأخيرة”.
تعزيز روسيا وإيران
مع انسحاب الولايات المتحدة، فإن إيران وروسيا، حليفتا نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لم تظهرا أي مؤشرات على نيتهما بالانسحاب.
وتعتبر روسيا حليفتها سوريا عاملا استراتيجيا في مسعاها لاستعادة دورها العالمي، بينما ترى إيران الشيعية مصلحتها في دعم نظام الرئيس الأسد.
وقال يوناس باريلو-بلينسر، الدبلوماسي الدنماركي في معهد هدسون في واشنطن، إن خطوة ترامب “ستجعل روسيا بالتأكيد وسيط القوة الخارجية في سوريا”.
وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى التعهد بـ”الدفاع عن أنفسنا” في سوريا، في إشارة إلى الضربات الإسرائيلية التي استهدفت حزب الله الشيعي اللبناني وأهداف إيرانية.
مخاطر على أوروبا
رغم أن تنظيم الدولة الإسلامية خسر جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا تقريبا، إلا أنه يعتقد أن لديه آلاف من الأنصار الذي يشنون هجمات في الخارج وغالبا ما يتغلغلون بين السكان المحليين في أوروبا.
وبانسحاب القوات الأميركية تبقى فرنسا في التحالف حيث أن لها قوات عمليات خاصة صغيرة في سوريا، وبريطانيا التي تقول وسائل الإعلام أنها نشرت سرا عددا من الجنود.
وصرح رئيس وزراء بلجيكا السابق غاي فيرهوفشتات أن الانسحاب الأميركي هو نصر لروسيا وإيران وتركيا، وحلفاء تركيا والنظام السوري.
وكتب على تويتر “كعادتها فإنها (الولايات المتحدة) تترك الأوروبيين في وضع أكثر صعوبة — ويظهر أنه من الخطأ تماما عدم امتلاكنا قوة دفاعية قادرة على المساعدة في إحداث الاستقرار في الدول المجاورة”، وسط دعوات تقودها فرنسا لإنشاء جيش أوروبي منفصل عن حلف شمال الأطلسي.
تأثيرات على السياسة الأميركية
دعا ترامب – على غرار سلفه أوباما على رغم الاختلاف الكبير بينهما – لإنهاء التدخل العسكري الخارجي لأنه مكلف ولا يحظى بدعم كبير بين الأميركيين.
إلا أن قرار ترامب لقي إدانة من خصومه الديمقراطيين الذين قالوا أنه لم يفكر جيدا في قراره، وكذلك الجمهوريين الذين يخشون من التأثيرات الجيوسياسية.
وقال السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي هو في العادة مؤيد مخلص لترامب، إن تنظيم الدولة الإسلامية لم يُهزم، وأن الانسحاب يمكن أن يعزز موقف إيران كما أنه يعتبر تخليا عن الحلفاء الأكراد.
ومن جهتها أعلنت الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية ناتالي لوازو الخميس أن فرنسا “تبقى” ملتزمة عسكريا في سوريا وذلك بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عن سحب قواته من هذا البلد.
وأضافت الوزيرة أن “الحرب ضد الإرهاب لم تنته”، مشيرة إلى “الهجوم الإرهابي الذي وقع في ستراسبورغ” شمال شرق فرنسا وأودى بحياة خمسة أشخاص وخلف 11 جريحاً ما زال بعضهم في حالة خطرة.
وقالت إن الحرب ضد الإرهاب “حققت تقدما كبيراً، صحيح أنه كان هناك تقدم كبير في سوريا من خلال التحالف، لكن هذه المعركة مستمرة ، وسنواصل خوضها”.
وفي سوريا، تشارك فرنسا في التحالف الدولي تحت قيادة أميركية عبر طائرات مقاتلة متمركزة في الأردن ومدفعية على الحدود العراقية مع سوريا لدعم قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف عربي كردي. ولم تؤكد فرنسا رسميا نشر قوات خاصة في الميدان، وفق ما قالت وزارة الدفاع الأميركية.
وقالت لوازو إن القرار الأميركي المنفرد “يجعلنا نفكر أكثر في الحاجة إلى الاستقلالية في صنع القرار والاستقلال الإستراتيجي في أوروبا. هذا يدل على أنه يمكن أن يكون لدينا أولويات مختلفة” عن الولايات المتحدة.
نقلا عن صحيفة العرب