لا جدلَ في ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول حتمية سقوط سورية في المزيد من الفوضى إذا ما أُطيح بالنظام السوري بالقوة. لكن المشكلة في ما لم يقله الرئيس الروسي، وهو أنَّ الأسد تسبّب بكُل الفوضى التي صارتها سورية، وأنَّ بقاءه في السلطة سيدفع البلد والمنطقة نحو كوارث أكبر من تلك التي شهدتها حتى الآن.
يُمكن تقبّل ما قاله بوتين لو أنّه أتبعه بإعلان نيّته العمل على إنهاء حكم الأسد عبر حلٍّ سياسيٍ يُنقذ ما تبقّى من سورية ويُعيد الملايين المشردة من شعبها إلى بلادهم، ويضمن أيضاً مصالح روسيا التي ترى في سورية ساحةً من ساحات صراع النفوذ بينها وبين الغرب.
غير أنَّ ما يصعب فهمه هو إصرار الرئيس الروسي في كلمته التي افتتح بها مؤتمر سان بطرسبورغ الاقتصادي أنّه يُمكن العمل مع النظام السوري “للسير على طريق الإصلاح السياسي ومنح السوريين فرصة الوصول إلى أدوات السلطة من أجل إنهاء المواجهة العسكرية“.
أيّ إصلاحٍ يتحدث عنه بوتين؟ وحتى لو صدّق فعلاً أن نظام الأسد اقتنع بضرورة منح الشعب السوري حقّ الوصول إلى أدوات السلطة، هل يظنّ أنَّ السوريين مستعدون للتعايش مع الأسد والقبول به في أي مستقبلٍ لسورية بعد أن أحال بلدهم أرضاً للموت والضياع؟
لا يُصدّق أحدٌ أنَّ روسيا تدعم النظام السوري حُباً بالأسد. موسكو تبني سياساتها وفقاً لمصالحها. بيد أنَّ فهمها لهذه المصالح يبدو مشوّهاً لأنّه يربط هذه المصالح ببقاء نظامٍ يرفضه شعبه.
منطقي أن يخشى الرئيس الروسي الفوضى التي ستتبع سقوط الأسد بعد خمس سنوات من حربٍ أهليةٍ مكّنت قوىً إرهابية في سورية ومنها. لكن ذات المنطق يفرض أن يخشى أيضاً الفوضى التي تتفاقم مع كلِّ يومٍ يظلّ الأسد فيه قادراً على دفع السوريين نحو المزيد من البؤس واليأس.
فلا شك أن بوتين يعرف ما كشفه تقرير الخارجية الأميركية الجديد حول التحاق حوالي اثنين وعشرين ألف إرهابي بالجبهات السورية. صحيح أنَّ سقوط نظام الأسد عسكرياً من دون التخطيط لما بعده سيزيد من عدد هؤلاء وسيعظّم قدرتهم ضرب الأمن في المنطقة وفي روسيا. إلا أنّ بقاءه في السلطة واستمراره قتله لشعبه سيفاقم خطر الإرهاب أيضاً.
الحلُّ لا في هذا ولا ذاك إذن. الحلُّ في عمليةٍ سياسيةٍ تُنهي حكم الأسد وتحافظ على ما بقي من مؤسسات الدولة، لتُدير بمساعدةٍ دولية، مرحلةً انتقالية تقود إلى سورية جديدة متحررة من القمع والإرهاب والفوضى في آن.
روسيا قادرةٌ على القيام بدورٍ مؤثرٍ في إطلاق هذه العملية وإنجاحها. فدعمها السياسي والعسكري أسهما بشكل كبير في بقاء الأسد وبالتالي في خلق الفوضى التي تخاف روسيا وغيرها من دول الإقليم والعالم تبعاتها.
تستطيع روسيا أن توقف هذا الدعم وأن تستخدم ثقلها وقدرتها على تغيير مسار الأحداث في سورية للتوصل مع الولايات المتحدة ودول الإقليم إلى تسوية تحلّ الأزمة وفق وصفةٍ تحفظ المصالح المشروعة لجميع الأطراف.
وهنا يأتي دورٌ رئيسٌ تأخر كثيراً للدول العربية المتوافقة على أهمية إنهاء الأزمة وما تزال قادرةً على المبادرة. فهذه متأثرةٌ قبل غيرها وأكثر من سواها بالمسار الكارثي للمأساة السورية. أمنها الوطني يفرض عليها التحرك نحو روسيا بمبادرةٍ جماعيةٍ تنتج تفاهمات تمهد لتوافق على حلٍّ أوسع تقبله واشنطن.
الكارثة السورية عصيّة على حلٍّ يكون النصر فيه حاسما لطرف على حساب آخر، خصوصاً وأنًّ القوى الوطنية السورية “المعتدلة” باتت أضعف في واقعٍ يقتسم فيه الأسد والإرهاب السطوة الحقيقية على الأرض. لا حلَّ إلا في تسويةٍ سياسيةٍ حدُّها الأدنى خروج الأسد من السلطة وضماناتٌ لمرحلةٍ انتقالية تقود إلى واقعٍ جديدٍ يحترم مصالح جميع الأطراف الدولية والإقليمية المتحاربة في سورية.
وبالتأكيد فإنَّ حلاًّ كهذا لن يُحقق العدالة المطلقة. لكنّه سيكون أفضل من صراعٍ قادرٍ على أن يقتل ويشرّد ملايين أخرى من السوريين، وأن يضاعف حجم الخطر الإرهابي الذي يمثل، بالنهاية، عدواً مشتركاً لكثيرٍ من القوى المتصارعة في سورية.
أيمن الصفدي- الغد الاردنية