هناك العديد من الأشياء التي كانت خيالية فأصبحت تلامس الواقع حتى في عالم الأدب و الخيال.
ولم تكن ماكوندو تلك المدينة التي بنى عليها الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل بالآداب عن روايته الشهيرة (( مئة عام من العزلة )) ,هناك ثمة عدة عوامل تتراكم و تتمخض من رحم الالم في هذا العالم و على وجه البسيطة ,هناك اشخاص يتجرعون الشقاء و يأكلون رغيف خبزهم اما مغمساً بالدم او معجوناً بالذل !!
هذه المدينة المذكورة أنفاً تشبه الى حد كبير ارض و سماء الغوطة, من حيث الحروب التي جرت على ارضها ووضعت ثقلها لتكون مأساة ماركيز , فقد جاءها الكولونيل اوريليانو بوينديا
الذي خاض مئة و ستة و خمسين حرباً فاشلة, وعندما حاصرها القوات الحكومية المحافظة فرضت عليهم التعايش القسري فأصبحت هذه المدينة كتلة من النيران المشتعلة وكأنها قطعة ارسلت من الجحيم .
الأمراض و الأوبئة حتى القمامة تظهر أكواماً مكدسة على جانب الطرقات .فأدى ذلك الى استسلام الكولونيل والعيش في معمل الأسماك الذهبية وهو يدخن سيجاره معزولا مع سحاب دخانه الرمادية .
عندما يسحق الأنسان ويجعل من شقائه لسعادته مازوشية الى درجة حرمانه من أشيائه وأحيانا التي لا قيمة لها والعادية في حياته اليومية مع تفاصيلها الدقيقة , وعندما يوضع في أمكنة تنتمي اليها روح الانسان و يجرد من كل شيء حتى من اسمه و بيئته و تاريخه وحريته يتحول الى رقم, فيما بعد يشعر لحظة استعادته لأبسط الأشياء أن الأقدار عادت تبتسم له وفي دمه وفي خلاياه تجري أنهار الحياة.
الغوطة كاماكوندو هي عبارة عن سجن كبير و همومها ثقلت كالجبل الراقد على فؤاد الانسان,
لا تستطيع أن تتنفس الا رائحة الموت و الدمار من حولها و تعيش في عزلتها و ماهية حياتها
تعتمد على الشعور و الاحساس بانها ولدت وهي عجوز و اطفالها ولدوا وهم شيبانا, فالعالم من حولها يتطور و يزدهر و يجري كيفما شاء حسب أهوائه و أفكاره, وهي ترقد = أي الغوطة =
في قوقعتها و تستميت دفاعاً عن كنوز الذكريات تلك ضد عدو واحد فالسجن و العزلة و اختباء ما وراء الذاكرة اللتان لهما عملهما في النفوس و بدأت تشعر – أي الغوطة- برغم استماتها تتسرب من قبضاتها المطبقة عليها و تترك سؤال وترد السؤال بالسؤال هل أنا على قيد الحياة؟؟؟
لقد تحولت الى بقايا انسان يلملم جراحه المتناثرة على خريف طفولته هناك يود العجائز ان يرجع بهم شريط الحياة و ان يعودوا أطفالا او مجانين او مختلي عقليا لكي يسيحوا في الأرض دون رقيب أو عتيد .
الكولونيل في سماء عزلته و ماكوندو على الارض صفتان تجمعان التناقض كالماء.
ماكوندو والغوطة اصبحتا صورتين في البوم و مجلد سميك في ارشفة العالم.
حصاراً و جوعاً وعزلةً والسجن الكبير و هنا تكمن المصيبة أن البشر ليسوا أمة و اسرة واحدة و لا يستفيدون من الانجازات على مستوىً واحد و لكن يمكن التقليل من الاعتماد على الانسان في قواه بالاعتماد على الذات و العقل فالمدينتين لهما ذات الصورة و ذات الطبع و انهما عاشتا مئة عام من و لكن سيأتي يوماً ما تنكسر فيه العزلة و تحطم جدران القوقعة و تهدم أسوار السجون.
#بقلم_shadi jad