الحزن ،الخوف، و القلق من المجهول، مشاعر متضاربة تقلق حياة السوريين، لكنها تتفاقم أكثر عندما تضاف إليها ظروف اللجوء؛ فمرارة العيش في ظل الحرب الدائرة على الأرض السورية هي أشد قسوة على من ترك بيته وأرضه مرغما جراء القصف والدمار.
أمل كانت معلمة للفنون في مدارس النظام في حلب عمرها 37 عاما، تخلت عن استقرارها، وظيفتها، وحتى أحلامها؛ خوفا من بطش النظام واعتقالاته التي دمرت حياة الكثير من الأسر السورية، وخلفت مزيدا من المآسي تضاف إلى سجل المعاناة التي يعيشها السوريون.
تروي أمل حكايتها:” كان أفضل حل بالنسبة لنا النزوح إلى المناطق المحررة؛ لأن خوفي على بناتي من جهة، وعلى زوجي وابني من جهة أخرى، حرمني الراحة النفسية، ودائما كنا نتأقلم مع ضغوطات الحياة لأن كل منا كان يعمل زوجي وابني وأنا، لكن بعد إصابة زوجي إثر غارة روسية غادرة لريف حلب ماأدى لعجزه الدائم، فزادت ضغوطات الحياة علينا”.
نظرت باتجاه ابنها البالغ ١٩عاما والذي استغرق في نومه وهو جالس نصف جلسة؛ كان ينتظر أخته لتحضر له الطعام، تطلق تنهيدة علها تفرغ الحزن من داخلها:” ما أحصل عليه من مال لايغطي نفقات شراء دواء زوجي ومصاريف شراء الحاجات الضرورية للأسرة، فحاولت تعويض النقص من المال القليل الذي أحصل عليه من عملي في المنزل بالخياطة بعد عودتي من مشغل الخياطة الذي أعمل فيه لساعات طويلة في النهار، إضافة لما يحصل عليه ابني من مال قليل؛ فهو يعمل بأي شيء يوفر له بعض المال حتى لو كان عملا جسديا مرهقا، ومع ذلك تبقى المصاريف فوق طاقة تحملنا” .
لم يكن واقع أمل أفضل حالا من حال الكثير من الأسر اللاجئة؛ فغلاءأسعار السلع المختلفة بسبب الحصار الذي فرضه النظام على مناطق عديدة في حلب، زاد من حدة المعاناة وقسوة الظروف المعيشية التي يعيشها السوريون، خاصة من يعاني منهم ضغوطات النزوح.
الدراسة بالنسبة لأبناء سورية باتت حلما يسعى الكثير منهم للحصول عليها؛ لأنها بنظرهم جواز العبور لواقع أفضل، وفي ظل الوضع الأمني المزري في سورية أصبحت حلما صعبا.
كفكفت أمل دموعا لم تستطع حبسها أكثر، وتابعت بحزن:” راسل ابني منذ فترة جامعة تركية على أمل متابعة تحصيله الجامعي وتم قبوله، فحصل عل منحة دراسية كثيرا ماحلم بها، فهل من العدل حرمانه من متابعة دراسته؟ لكن قبول المنحة الجامعية يعني حرمان العائلة من المال الذي يوفره لنا عمله، بالإضافة لتحمل عبء مصاريف دراسية انا لااستطيع أن اتحمل دفعها”.
أمل تخسر صحتها يوما بعد يوم بسبب ضغط العمل لساعات طويلة، وتفقد الإحساس بالسعادة لأنها محرومة من قضاء ولو بعض الوقت برفقة أسرتها -كما أخبرتنا- تعجز عن مواجهة المزيد من الضغوطات، لكنها رغم ذلك تسعى جاهدة لتحصل أسرتها على أقل مايمكن من ضروريات الحياة .
معاناة السوريين في أماكن اللجوء مستمرة باستمرار الحرب، وعوائق جديدة يفرضها قدوم الشتاء على الأسر اللاجئة، تتابع أمل حكاية بؤسها وشقائها:” الشتاء يحمل معه هموما جديدة، لا أملك المزيد من الطاقة الجسدية للحصول على مزيد من المال؛ لشراء القليل من المازوت الذي يبعد عنا ظلم الأيام الباردة جدا، كما أنني لاأستطيع استخدام الحطب للتدفئة؛ لأن ابنتي الصغيرة تعاني من الربو”.
تنفست بعمق ثم أنهت حديثها بسؤال ليس له جواب:” هل من نهاية لهذه الحرب؟ لا أعلم إلى متى سأصمد بوجه كل تلك الضغوطات”.
غطت أمل وجهها واستسلمت لبكاء مرير ينبئ بحجم الضغط الذي يكاد يخنق أنفاسها.
معاناة أمل وأسرتها تمثل معاناة آلاف الأسر السورية الذين يعانون ظروف الحرب واللجوء، فقد يفقدون الأمل بالعيش تحت سماء وطن استبيحت أرضه وسماؤه، لكن إرادة الصمود بوجه جبروت النظام، والإيمان بأهداف الثورة، عملا على دفع أهالي سورية لتحمل المعاناة.
هدى محمد
المركز الصحفي السوري