د. محمد مرعي مرعي
كانت سوريا طيلة تاريخها موئلا للأقليات الهاربة من بطش الحكام الطغاة في الامبراطوريات والدول المجاورة بدءا من طغيان الفرس والروم قبل الاسلام وامتدادا جرائم القياصرة الروس في القرن التاسع عشر وتهجير الشراكس والأبخاز والشيشان ومن ثم هجرة الأرمن في عهد العثمانيين وبعدها التهجير الجزائري من قبل الاستعمار الفرنسي ثم التهجير الصهيوني للفلسطينيين والتهجير الأمريكي الإيراني للعراقيين بعد 2003 والخ … ولم يشعر يوما من سكن أرض سوريا من أبناء الاقليات بالظلم والاضطهاد بل تم قبولهم أخوة كرام بين أهليهم وتمت استضافتهم في مساكن وحصلوا على أراضي للعمل فيها ثم دخلوا ميادين العمل كافة في قطاع الدولة والخاص وحصلوا على صفة المواطن السوري ، وكان تولي السيد فارس الخوري رئاسة البرلمان ومجلس وزراء سوريا وحسني الزعيم خير شاهد على ذلك . لكن ، مع التهيئة للحكم الطائفي في سوريا منذ ستينيات القرن العشرين برعاية الدول الاستعمارية لا سيما مع تشكيل اللجنة العسكرية في الجيش التي ضمت أعضاء من (الطوائف العلوية والإسماعيلية والدرزية) فقد بدأ التفكير الطائفي للسيطرة على سوريا واستبعاد كل مكونات الشعب السوري من الحكم بما فيها الأقليات . وانطلقت أولى مآسي الأقليات بالقضاء على الأغلبية السنّية من قوى الجيش والأمن وبالتالي الحكم المدني من قبل تلك الأقليات ، ثم تمكّن أبناء الطائفة العلوية من التحكّم بمفاصل قطعات الجيش وتم استبعاد الأقلية الدرزية بشكل شبه تام ولحق بها أبناء الطائفة الاسماعيلية ، وبذلك خلت الساحة لطائفة واحدة تعيث فسادا وتدميرا وإجراما في بنية المجتمع السوري ودولته . حتى بداية عقد 1970 ، كان التوزّع السكاني في سوريا تقريبيا كما يلي : العرب السنة 63 % ، الكرد السنة 13 % ، المسيحيون 10 % ، العلويون 9 % ، الدروز 3 % ، الاسماعيليون 1 % ، الشركس 5,.% وبقية الأقليات حوالي 5,. % . بعد سيطرة حافظ الأسد على السلطة المطلقة في حكم سوريا شرع بتغيير البنية السكانية في سوريا وكان أوائل ضحاياه المسيحيون والكرد ،إذ فرض عليهم التهجير للمتعلمين والمثقفين في حال عدم قبولهم أجراء في ظل سلطته ولحق بهم العمال الذين لا أمل لهم في وجود عيش كريم في سوريا حتى تدنى عدد المسيحيين إلى حوالي 3 % من سكان سوريا طيلة حكمه وإابنه بشار خلال 40 عاما وانخفض عدد الكرد إلى ما دون نسبة 8 % والدروز إلى نسبة 2 % وبدا تضخيم نسبة العلويين في الإحصاءات الوهمية كي يصبحوا أغلبية احصائية تضليلية كونهم يسيطرون على الحكم العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي وروّجت إشاعات بنسبتهم 25 % . وتم تجريد كافة مكونات المجتمع السوري ( عدا أبناء الطائفة العلوية ) من كافة مراكز القوى في الحكم ، إذ لم يعد للمسيحيين سوى موقع عضو في قيادة حزب البعث كشخص مطواع وشكلي وانطبق الأمر نفسه على الدروز واستبعد الكرد والإسماعيليون من كافة المواقع الهامة في السلطة ، لكن بقي الشراكس محظوظين كون ولاء غالبيتهم مطلقة لعائلة الأسد . هكذا ، يتباكى الغرب والشرق حاليا على أبناء الاقليات وحالات ظلمهم وتهجيرهم وتجريدهم من الوجود والسلطة والمواطنة في سوريا بعد اندلاع ثورة الشعب السوري ، لكن تلك الدول التي تعلن (كلمات حق يراد بها باطل ) هي من أوصل الأقليات إلى ما هي عليه حاليا حين ساهمت في تعزيز الحكم الطائفي الذي بناه حافظ الأسد وأتباعه وفرضوه على سوريا، الأمر الذي هجّر أبناء الأقليات منها وجرّد من تبقى منهم من غالبية حقوق المواطنة الحقيقية ( العمل القيادي في الدولة ومراكزها ) ، نعم هناك مآسي تعيشها الأقليات في سوريا لكن السبب الرئيسي هو فرض حكم أقلية في سوريا. ويبقى الحل دولة القانون والحريات والمواطنة للجميع ، فهل من يتعظ ؟