أم خليل، امرأة فلسطينية، من سكّان حيّ القدم في دمشق، كانت تعيش هناك مع أهلها، وأخوتها، وأهل زوجها.
تعرّضت المنطقة إلى قصف عنيف من قبل قوات النّظام، البيوت صارت رُكاما، وكثيرٌ منها تهاوى أمام ناظري أصحابها، الأمر الذي جعل أم خليل وعائلاتها تغادر “القدم” إلى “السبينة”. أمضت فيها قرابة السنة، عاشت فيها أيام الحصار برفقة زوجها وعائلتها. قُصِف بيتها في السبينة، وأصيب ابنُها، صار جلُّ همّها أنْ تنقذ أولادها.
خرجت أم خليل من السبينة هي وقرابة 40 عائلة، أكثرهم من كبار السّن والنساء والأطفال، القتلى في كلّ مكان جرّاء القصف المكثّف، غابت ملامح أكثرهم، وصاروا أشلاء.
شاهد… قصة أملاك ليلى التي عرفت بموت زوجها المعتقل من خلال صورة
وصلت مع باقي العائلات إلى أول حاجز للسبينة، وهو حاجز للنظام، عناصره من الإيرانيين، أدخلوهم إلى داخل مزرعة، وبدؤوا بالتحقيق:
“سكروا باب المزرعة علينا وبلّش التحقيق.. صعب صعب أشرحلك طريقة التفتيش يلي فتشونا فيها”
وبعد أن انتهى التحقيق أخرجوها مساء هي وبناتها و10 نساء مع أطفالهن الصّغار، واحتجزوا البقية.
تروي القصة أم خليل، وتستذكر ذلك اليوم، وهو أشبه بالتغريبة الفلسطينية:
“بطلعتنا تذكّرت التغريبة الفلسطينية، شلون العالم حاطّة حرامات على روسها، وشايلة هالأغراض، وماشية”.
خرجت أم خليل من السبينة إلى جديدة عرطوز، استأجرت بيتا واستقرّت هناك، وبقيت على تواصل مع زوجها بشكل يومي، إلى أن قررّ أن يخرج هو و15 شابا. ومن ثمّ وقع في كمين، واعتقله النّظام، وغابت عنها أخباره ما يزيد عن العام.
بحثت عنه كثيرا في الأفرع الأمنية، وتعرّضت لكثير من الإهانات دون جدوى، إلى أن تسرّبت صور عن قيصر للمعتقلين عام 2014.
تقول أم خليل:
“أنا عم حمّل الصّورة.. لسّع ما تحمّلت حكيت لهم هي صورة أبو خليل.. يعني مبينة الصورة.. وهي عم تتحمّل الصّورة مبينة زوجي..”
بعد أن تأكّدت أم خليل من مقتل زوجها في سجون النّظام، صارت تفكّر ببناتها وبكيفيّة الخروج من مناطق سيطرة النّظام. غادرت جديدة عرطوز، ووصلت إلى إدلب، ومن هناك ذهبت إلى تركيا، واستقرّت في مرسين.
أم خليل تمتلك بيتين في سوريا، أحدهما في القدم، والآخر في السبينة. بيت القدم مسجّل عند كاتب العدل، باسم زوجها و(الطابو) باسم المالك الأصلي.
وحالها في التمليك كحال الفلسطينيين في عموم سوريا، لايحقّ لهم التملُّك إلا بشروط صعبة جدا، ويُعاملون معاملة السائح العربي، ويشترطون عليهم أن تكون مساحة البيت تزيد عن 140 مترا، إضافة إلى موافقات كثيرة وصعبة، ولذلك فإنّ أغلب الفلسطينيين تكون أملاكهم بموجب كاتب عدل.
شاهد.. يكون الأخ سبب مآسي أخيه، بسرقة أرضه، وزجِّ أخيه الآخر بالسجن
لم تستطع أم خليل أن تعمل حصر إرث بعد معرفتها بموت زوجها؛ لأنّ النظام لم يعترف أساسا أن زوجها توفي في سجونه، ورفضوا إعطاءها شهادة وفاة. هذا الأمر جعل نقل الملكية من زوجها إليها صعبا جدا، ولاحتى أن تنقلها من اسمه إلى اسم أحد آخر تثق فيه.
كان همّها كيف تخرج بأسرع وقت من مناطق سيطرة النظام وتغادر البلد لتتخلص من الحرب. حاولَت أن تستخرج بعض الأوراق كمخطط مساحي، وكشف اطلاع، ولكنّ محاولاتها باءت بالفشل، فقد كانوا يطلبون منها المالك الأصلي، والمالك الأصلي غير موجود فهي أصلا نسيت اسمه، ولا يمكنها احضاره.
إضافة إلى بيت القدم، كانت تمتلك بيتا في السبينة، فقد اشترت هناك قطعة أرض منذ 15 سنة، بعقد (برّاني) بشهود فقط، دون التسجيل في كاتب العدل، ومن ثمّ بنت عليه بيتا، ولكنّه من دون ترخيص ولاتمتلك له أية ثبوتيات، ويستحيل تسجيله باسمها.
تقول أم خليل:
“البيوت تهدّمت، وصارت كوم رمل، حاولت أنا وأخواتي كتير نثبت ملكيتنا، لكن ماطلع بإيدنا شي أبدا، وكيف بدنا نثبّت هالشي ما بعرف.. وما بعرف إذا في المستقبل فيني أرجع على بيتي.. فيني أسترجع أملاكي.. يعني شو راح يصير فينا بعدين ما نعرف”.
وتختم أم خلييل بحديثها عن أمنياتها في أن تؤدّي المنظمات دورها، وتساعدها في استعادة أملاكها، وتوصي مَن معه أوراق وثبوتيات أن يحافظ عليها جيدا، وأمّا من لم يخرج بعد، فتنصحه أن يستخرج ثبوتيات الملكية بأي طريقة.