العميد الركن أحمد رحال
12 فبراير 2015

انطلقت الثورة السورية بعفويتها وسلميتها تنشد الحرية, وعندما أشتد ظلم النظام وأوغل بسفك الدماء, أطلق المجند في الجيش السوري (وليد القشعمي) صيحته: لن أقتل أهلي معلناً أول حالة انشقاق عن جيش الأسد, وتتالت بعدها الانشقاقات وتشكل لواء الضباط الأحرار بقيادة المقدم هرموش, ومن ثم الجيش الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد, الذي أصبح فيما بعد المظلة العسكرية لكافة الكتائب المسلحة على الجغرافية السورية, وأصبح الجيش الحر ممثلاً للثورة وحاميها وانطلقت حناجر المتظاهرين لتنادي: الجيش الحر يمثلني.
كان أعضاء المجلس الوطني (كقيادة سياسية للثورة) حينها يتباركون بزيارة معسكر (أبايدن) للضباط في تركيا, وفائزهم من حظي بالجلوس مع الضباط والمنشقين والأوفر حظاً منهم من استطاع أن يحظى بصورة على جواله تجمعه مع بعض هؤلاء الضباط.
وشيئاً فشيئاً باتت فصائل الجيش الحر أكثر بريقاً وتمدداً على ساحات القتال, وبدأت معارك التحرير, وامتد ذلك حتى الشهر الثامن من عام 2012 عندما تدخلت الأيديولوجيات والأجندات السياسية وشكلت ما يسمى القيادة المشتركة للجيش الحر, ومن ثم قيادة الجبهات, ومن بعدها أتى مؤتمر أنطاليا, الذي أفرز رئاسة الأركان والمجلس العسكري الأعلى (مجلس الثلاثين المبشرين بالجنة نظراً لاستحالة تغييره), ودخلت الأجندات السياسية للداخل وتحولت معظم الفصائل لميليشيات أو مرتزقة تتبع لهذا التيار أو ذاك الداعم, ومنها من أصبحت ذات تبعية إقليمية أو دولية, وبدأت المساحات المحررة بالتقلص.
مع إنشاء الحكومة السورية المؤقتة في عنتاب أصبحت هناك وزارة للدفاع وأقيل رئيس الأركان ونصب آخر بديلاً عنه, فغضب دولاً عربية وإقليمية ودولية وتوقفت كل أشكال الدعم العسكري عن فصائل الحراك المسلح, وانفردت غرف (الموم والموك) بعملية الإمداد, وبما يخدم أجنداتها, وزاد على ذلك تلاعب بعض رجال السياسة والدين الذين استخدموا أموال الثورة للسيطرة على مفاصل الحراك المسلح, فانقسمت القوى الثورية لأقسام منها من تتبع لبعض رجال الائتلاف من خلال المال السياسي الذي يقدم لهم من الدول الداعمة للثورة, ومنهم من ارتهن لداعميه من رجال دين قدموا من خارج البلاد وحقائبهم حبلى بالأخضر والأزرق, ومنهم من حافظ على مبادئ وأهداف الثورة, وهؤلاء وقع عليهم الحجم الأكبر من التفقير والتعطيش والتجويع ومُنعت عنهم كل مقومات البقاء والاستمرار, ولضمان إضعافهم أُبعد عنهم الضباط بفكرهم العسكري المختص وخبراتهم, بعد أن كالوا لهم شتى النعوت كمرتدين أو كفرة أو ضباط بعثيين مما نفر فصائل الثورة منهم وأبعدتهم إلى مخيمات اللجوء والنزوح بعيداً عن ساحات القتال.
كل تلك التحولات على الأرض, مع وأد كتائب وفصائل الجيش الحر, كانت تجري على مرأى ومسمع القيادة السياسية وخصوصاً مع نشوء الائتلاف الوطني لقوى الثورة, لأن تدمير مؤسسة الجيش الحر كان رغبة لبعض أعضائه من أجل ضمان الانفراد بالسيطرة على بعض القوى المسلحة, وبنفس الوقت إرضاءً لمطالبٍ غربية وإقليمية طامحة بالتحكم بمفاصل الثورة وإطالة عمرها وجعلها حرباً استنزافية ضد أعداء الغرب في المنطقة (حزب الله وإيران), ولتصفية “الجهاديين” غير المرغوب بتواجدهم في المجتمعات الغربية.
هذا الانجاز لرجال السياسة (المعارضين) بوأد الجيش الحر وبالمال السياسي, أنتج فيما بعد ظاهرة أمراء الحرب, الذين توغلوا بالداخل السوري وامتلكوا المقدرات المادية والعسكرية التي أوصلتهم للتحكم بمعظم المناطق المحررة, وأصبحوا أكبر من سادتهم ممن أوجدهم وامتلكوا القرار العسكري, وأصبح بعضاً من أعضاء الائتلاف أتباعاً لأمراء الحرب, يتراكضون لاسترضائهم ورشوتهم لضمان ولائهم, فخسرت الثورة مدينة حمص والقصير والقلمون وكادت أن تُطوق مدينة حلب, في الوقت الذي كانت فيه تكتلات الائتلاف تتناحر على اقتسام المناصب والمقاعد وعلى عزل أو إعادة تنصيب الحكومة, لكن هذا العمل اللامسؤول أفقد المعارضين أي تمثيل حقيقي على الأرض, وانعكس موقفاً دولياً وعربياً تجلى بتهميشهم وإقصائهم بل وإدخالهم بحالة موت سريري, أوصلتهم لتصديق مقولة: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض, وضاعت هيبة الائتلاف.
ما حصدته الثورة من عبثيات رجال الائتلاف وعجزهم عن قيادة الحراك المسلح وأدت لوأد الجيش الحر, كان يفترض أن تعاد هيكلته وتأطيره كمؤسسة عسكرية ثورية, تعطي الضمان والمصداقية للثورة, وتكون الذراع العسكري للقيادة السياسية, سواءاً باعتمادها الخيار العسكري لإسقاط النظام أو بخيارها السياسي التفاوضي كقوة ضاغطة يعتمد عليها في فرض شروط وأهداف الثورة, وتكون القوة الضامنة للمرحلة الانتقالية, وما بعدها, وتؤمن تطبيق العدالة الانتقالية وتمنح الثقة المطلوبة للغرب من خلال وجود قوة عسكرية منضبطة قادرة على استلام زمام المبادرة والتحكم بمجريات الأحداث إذا ما تنحى أو أٌسقط نظام (الأسد).
ولكن ومع كل تلك الإخفاقات للقيادة السياسية للثورة السورية ومع كل محاولاتهم لطمس معالم الجيش الحر, يبقى في عنفوان الداخل وتجاوزه لكل تلك المنغصات, الأمل بعودة شعلة الثورة السورية للتوقد والبريق, ولنا بالجبهة الشامية في حلب وبما يفعله ثوار الجنوب ومقاتليهم في ريف درعا والجولان مثالاً يحتذى به, عندما جعلوا كل تلك القيادات الخارجية (السياسية والعسكرية) خلف ظهورهم, واعتمدوا على الله أولاً ومن ثم على شعبهم وقدراتهم, ووحدوا صفوفهم وشكلوا غرفاً موحدة لعملياتهم, وانتقلوا لتحرير أرضهم, جاعلين من مستودعات النظام وغنائمهم وتصنيعهم مصدر إمدادهم, متناسين كل شيء خلف الحدود, فحققوا الانتصارات وبات الهدف الأسمى الجديد الذي وضعوه نصب أعينهم هو تحرير حلب والعاصمة دمشق فهل يستطيعون الوصول؟؟ …. نعم هم قادرون على ذلك.
العميد الركن أحمد رحال