نجح شباب الثورة السورية بشكل كبير في البدايات وحتى عام 2013بنقل كل مايجري في سوريا ..وفي كل محافظة ..وقرية ..وحي ..وحارة … واعتمد شباب التنسيقيات على وسائل الإتصال الإجتماعي والفيس بوك وعبر نشر فيديوهات عن طريق اليوتيوب وتأسيس ماسمي وقتها (كروبات مغلقة ) كانت بمثابة غرفة قيادة عمليات تدعو وتوجه المظاهرات ,تنقل وتصور المداهمات ,ومشاهد الإعتقالات .
وتحول قسم كبير منهم (لوسيلة ) إيصال وإتصال شخصي وفردي ..عندما يفشلون بالتواصل مع النشطاء بسبب إنقطاع الكهرباء أو التضييق الأمني . و رغم أن الإنطلاقة كانت من النشطاء الشباب والتنسيقيات الثورية غير الأكاديمية أحيانا والتي سعت ونظمت الفعاليات الثورية وحاولت بطرق بسيطة وموارد قليلة, نشر تفاصيل الحراك في المدن السورية, وبتعريض حياتهم للخطر والإستهداف لإيصال الصورة كما يجب دون حماية من مؤسسة إعلامية أو الإنتماء لأي جهة إعلامية كبرى …. وبجهود فردية لا تتكافأ مع آلة إعلام مقابلة للنظام, إلا أن الإعلام البديل أو الثوري إذا صح التعبير, كان من أقوى الأسباب التي جعلت الثورة السورية تصل لكل بعيد وكان نقل الصورة من الشارع يعتبر مفهوما جديدا للشعب الذي فقد ثقته بالإعلام المسيس, والذي غيب الشارع وهتف لشخص واحد, سنوات مرت على قيام ثورة إعلامية تجلت بقلب المفاهيم المحدودة, والخضوع لكلمة السلطة التي تمثلت بالنظام الذي تجلت سطوته على الإعلام السوري طوال عقود.
كان الإعلام البديل هو صوت الشارع السوري واستطاع جذب عيون العالم إلى ما يحدث في سوريا, ولكنه ما لبث وخلال السنوات التي تلت أن تفرق شيعا وتبعيات, ولم يحاول رغم بعض التجارب القوية الفردية أو القليلة أن يكون بديلا عن وسائل إعلامية عالمية أو عربية, ولم يرتق يحسب الكثير من الآراء لأن يكون بين مصافي تلك الوسائل, وحكمته من جديد التبعية لتمويلات والخضوع للسلطة التي تملكه من جهة وقلة المهنية والحرفية من جهة أخرى حيث كان معظم من يمتهن الإعلام من النشطاء غير المؤهلين الذين لم يستطيعوا الانخراط أكاديميا ليعكسوا رؤية حيادية أو مهنية صحافية.
والأهم طبعا توحش النظام بحق شباب التنسيقيات ,وفرضت بحقهم أفظع العقوبات التي تصل غالبا لحد القتل (في الوقت الذي يفرج فيه عن الإسلاميين المتشددين حتى من النشطاء الإعلاميين ).
إنفرط عقد التنسيقيات ليغيب بعدها الإعلام الثوري ,ويحضر (الإسلامي وإعلام النظام ) ,وأصبحت المحطات الإخبارية الكبرى والصغرى بما تحمله من رسائل تعود مصلحتها لمالكي هذه المحطات …هي المصادر الوحيدة أمام السوريين والعالم .
نحن الآن أمام غياب شبه كامل لإعلام يعبر ويرتقي للثورة وتضحياتها التي ندر مثيلها في العالم .
لماذا تراجع هذا الإعلام ..ولماذا لم يستطع الإستمرار والبقاء ؟؟؟
وما أسباب عدم تقدمه خلال السنوات الخمس الماضية ودخولنا العام السادس ولانرى اية بادرة لخلقه من جديد ؟؟
كثيرة هي الأسباب التي جعلت الإعلام الثوري, يتفرع ويخبو ويعكس وجهات نظر تضعف الرسالة الثورية, وقد ألبس ثوبا غير ثوبه, بانعكاسات كبيرة دخلت وغيرت مفاهيمه التي خلق لأجلها, ويبدو أن الإعلام الثوري لم يعد قادرا أحيانا في التواصل مع الشارع الذي خرج منه. ورغم إتهامه من قبل البعض بعدم الحرفية لأن من يعمل فيه نشطاء أو هواة, فالحقيقة قد تكون مغايرة تماما لأنه وعلى الصعيد الفردي ما يزال الشارع يؤمن بهؤلاء الذين يبخسهم البعض حقهم ألا وهم الناشطين, في حين وإن تكلمنا عن الصعيد المؤسساتي فحتى الآن ورغم إمكانيات الكثير من المنابر نرى تجييشا لفكر معين’ وانحراف كبير عن المصداقية والمهنية, وهذا عدا عن عدم وجود آلية سياسية موحدة كحكومة الائتلاف السوري والتي يقع على عاتقها, تدعيم الوجود الإعلامي المحترف أو تمويل وإيجاد جهات تعليمية قادرة على تحريك عجلة الإعلام بشكل إيجابي, يضاهي الإعلام العربي والغربي.
الأستاذ (أكرم الأحمد) رئيس المركز الصحفي السوري يرى أن هناك مقومات كانت لتساعد على إقامة مؤسسات إعلامية مهنية ذات رؤية حيادية بعيدة عن التجنيد, مفقودة في أغلب المنابر الإعلامية من أهمها عدم عمل الإعلاميين و هجرة العقول الخبيرة إلى الخارج وعدم عملها ضمن نقل الأحداث السوري, ونظرا لهذا لم يتبق في الساحة الداخلية إلا الهواة, أيضا من أهم الدعائم القوية هو التمويل الذي يعطيك ليأخذ أكثر و يستنفذ فكرك ومنبرك كإعلامي لتخدم مصلحته, والمنظمات التي فضلت أن تساعد المنابر الخارجية على أن تغرق نفسها مع مؤسسات ضمن سوريا رغم محاولة الكثير من هذه المؤسسات للحيادية وتقصي الخبر عن قرب, ونظرا لأن غالبية الإعلام حاليا بعتمد على ممولين, يكون عرضة للإنهيار في أي وقت وقد حصل هذا للكثير من المواقع والمؤسسات.
وبحسب رأي ا لأستاذ (حافظ قرقوط) كاتب صحفي فهو يقيم العمل الإعلامي الثوري بانه لم يرتق للمفهوم الصحيح للإعلام الحقيقي قائلا ((الإعلام الثوري خارج التصنيف وأنه مازال منفعلا وليس فاعلا وأقرب إلى الإعلام التجريبي منه إلى الإعلام المهني أو المحترف, ما عدا بعض الاستثناءات الفردية وليست المؤسساتية.!!)
أمابالنسبة للأستاذ زياد الحلو (كاتب ومخرج) فرأيه كان كاتهام لكل المنابر الإعلامية الثورية ’ حيث قال ليس هناك إعلام ثوري وما كان من الإعلام الثوري‘خطف مع الثورة حيث خطفت!! وحسب رأيه أن الإعلام الموجود الآن ما هو إلا أجندات تخدم مصالح كبيرة أو صغير, وتنجرف نحو التطرف تارة ونحو العلمانية تارة أخرى, ولا تعكس صوت الشارع السوري ولا ترقي لمستوى الثورة أصلا, ويضيف أن الإعلام الموجود هو تماما كإعلام النظام السوري, وأن الناس مضطرة أن تتابعه نظرا لعدم وجود البديل, كما كانت تتابع منابر الإعلام السوري قبل الثورة وهي( لاحول لها ولاقوة) فهي تسمع وترى وتقرأ المتاح فقط! ويضيف أن الإعلام البديل بلزمه عقود وأجيال ليرتقي بين مصافي الإعلام الغربي وأن يصل لحريته وتعاطيه مع الحدث والخبر, ورفع سقف الحريات بعيدا عن التسييس و السلطة.
في حين يعزو الفنان الكاريكاتيري ( ياسرالأحمد) أن الخطاب الإعلامي كان موحدا حتى عام 2012 وبعد ذلك تم شد البساط من تحته وبدأت الرؤية تتفرق وتتشرذم, وكان هذا من أهم أسباب انحدار المستوى, والذي اختلف كثيرا عما بدأ, أيضا تحدث عن فن (الكاركاتير) الذي لم يخرج من ( التابوهات) التي كانت مدرجة تحت ظل التبعية لما كان أيام النظام الأسدي, وأن هناك الكثير من الإعلاميين في المجال مسيرين لامخيرين أحيانا, ويوصي بضرورة التخلص من عقدة الخط الأحمر, ورفع سقف الحرية التي ما تزال ترزح تحت ضغط ما يريد الأعلى سلطة منك أن تنفذ, وتغييب صوت القلم والفكر لصالح السلاح والذي ساد على صوت عموم أشكال الثورة وليس فقط الإعلام !
أين الإعلام الثوري من المهنية والحياد ؟
في الواقع إن تغييب الحيادية قد يكون قاتلا في هذه المهنة, ورغم أنه شرطا أساسيا, يرى البعض من أهل الإعلام أن الوقوف على الحياد في الإعلام الثوري, صعب وفي بعض الأحيان مستحيلا, لأنه انطلق من رحم الثورة وهي التي صنعته,و يرى أهل الإختصاص أن الإعلام الثوري ما زال ضعيفا ولا يرتقي لأن يكون ضمن المنابر العربية, وأنه بعد خمس سنوات مازال إعلاما هاويا, وأغلب الفاعلين فيه مجموعة من الأفراد غير الأكاديميين, و وغير خبراء ويفتقرون للمهنية .
ويرى الأستاذ (حافظ قرقوط )ان هناك فجوة في طريقة مخاطبة العالم ومخاطبة الداخل وحتى مخاطبة القوى الثورية، وبحسب رأيه أن الحيادية صعبة جدا لأن الإعلام منطلق من الثورة ويقول ,:((نحن في ثورة والحيادية هنا كمن يضع السم بالدسم، لولا هذا الدم الزكي ولولا الثورة العظيمة لكان الجميع يترقب منية النظام عليه. ولكن يجب أن يكون متسما أكثر بالمهنية والحيادية، المهنية تعني الصدق بالمعلومة والصدق حكما سيجعل المادة الإعلامية في مصلحة الوطن السوري )) ويتابع حديثه((وبالنسبة للمهنية أنا أعرف بعض مؤسسات إعلامية بالإضافة لبعض مقرري التمويل الإعلامي ورؤساء تحرير لا علاقة لهم بالإعلام ولم يقدموا في تجربتهم الإ علامية سطرا واحدا)).
أما بالنسبة للأستاذ(م-ف) مراسل لأحد القنوات العربية والذي فضل عدم ذكر اسمه الكامل فهو يرى أن الإعلام البديل , كان انعكاسا للحالة الثورية التي تجلت بالشباب النشطاء, و أنه ورغم بساطة الأدوات إلا أن الخبر كان يصل بقوة, فقد كانت التغطية ليست حرفية ولكنها مستمرة للمظاهرات وتحركات الجيش , وقصف المدن السورية, وبحسب رأيه فإن العمل مع بعض الأقنية الشهيرة ساعدت على صقل الخبرات وزيادة الحرفية للمراسلين داخل الأراضي السورية, من حيث تغطية الخبر ونقله بالصورة الصحيحة.
ولكنه يرى أيضا أن عدم الحيادية والتبعية التي اتخذها الإعلام الثوري طريقا أحيانا والذي يقلد فيه إعلام الأسد, يعكس الأمر سوءا لعكس صورة الثورة السلبية, حيث هناك نوعا من التدليس والمحاباة وتلميع صورة بعض الأطراف والتبعية الجارفة التي لاتصب أبدا في مصلحة تقدم إعلام غير مهني ويفتقر كثيرا للصورة التي ينشدها الإعلامي الحقيقي.
ولكن الأمر ليس دائما سلبيا. فرغم أن ما جعل حركة الإعلام الثوري تدور هم بالغالبية نشطاء فهناك آراء أنهم هم من استطاعوا حتى الآن شد نظر العالم إلى ما يجري على الساحة وأن الأمر قد يؤتي ثمره لأن الوضع داخل سوريا بفرض حالة تختلف عن كامل الساحات التي يعمل فيها الإعلاميين الآخرين.
ويرى (هادي العبدلله) الذي يعتبر من أهم النشطاء الذين ظهروا من الثورة وعكسوا نظرة مهمة للناشطين غير الحرفيين وبرأيه أن الإعلام الثوري رغم عدم مهنيته الكبيرة مازال بخير حسب رأيه, حيث قال ((استطاع الإعلام الثوري أن يتحدى إمكاينات إعلامية قوية وكبيرة ومنها آلة النظام والقنوات التي تؤيده, على سبيل المثال تم سرقة فيديو لأحداث في حلب مؤخرا و كنت قد صورته أنا, وبثته القناة الروسية على أنه من إنتاجها وتصويرها, وكانت فضيحة كبيرة بالنسبة لهم,في الساحات الإعلامية العالمية, وقد استطعنا كناشطين التحدي رغم عدم تمكنا من دراسة الإعلام وخضوعنا لتدريبات أو دورات إعلامية, ونحن بالرغم من كل السلبيات والمضايقات من النظام وتهديد حياتنا من عدة أطراف لنقلنا الحقيقة, ما زلنا صوت الشارع, لأننا نملك قضية تجعل لدينا هدفا ساميا, لو كنا غير محترفين)).
ما الذي ينتظر الإعلام البديل وهل توجد حلول ؟!
يشير الأستاذ( طه الرحبي) الصحفي في جريدة القبس الكويتية أنه مازال هناك وقت لوجود مرجعية إعلامية موضوعية مجردة من أية غاية؛ويكمل رأيه في مقالته على أحد المواقع والتي أراد الاستشهاد بها ((“الدول العظمى لها إعلام منضبط في المعارك”، لديها القدرة على توحيد الخطاب الإعلامي ونقل المعاناة التي يتعرض لها الشعب في الداخل والخارج.. ويعمل بنفس الوقت على إثراء عقول المواطنين لرفع مستوى إدراكهم وثقافتهم وإيضاح ما يحاط بهم من مخاطر ومكائد. ويقوم بتوجيه رسائل منتقاة إلى المجتمعات الدولية تخدم قضايا وتطلعات الثورة))وأضاف: ( لابد من وجود رؤية إعلامية موحدة ومنبر واحد محترف قادر على المنافسة والتعامل مع الموقف المعقد للأحداث والتسويق الإعلامي والسياسي للثورة، والمناط به التأثير على الرأي العام).
ومن خلال ما سبق قد يدرك القارئ أو المتابع, أنه و رغم أن الإعلام الثوري البديل قد يكون متهما من قبل الغالبية أنه لا يرقى لتلك المكانة التي يتمناها كل من يتطلع لإيجاد إعلام قوي متماسك قادر على رصد ومتابعة وتحليل كل ما يجري بعين الحياد والمهنية والشفافية, وأنه ليس حرفيا بالمعنى الدقيق للمهنة التي يقع على عاتقها الكثير والتي يمكن أن تحدث تغييرا جذريا في قلب الأمور في الكثير من الإحيان, إلا أن الكثير من الأساتذة أشادوا بمحاولات كثيرة, وقد تكون فردية إنما قد تحدث فرقا على المدى البعيد, وهي تعكس واقع ما يجري .وتحاول خوض غمار المعترك الصحافي إذا صح التعبير, وهناك آراء تقول أن الثورة كلها ما زالت في مرحلة مخاض ثوري, وغربلة وإعادة حسابات, وطبقا وتبعا لما يجري فالبعض أشاروا أن هذا أمرا قد يلتمس له العذر في غياب رؤية محددة وعقول تستطيع أخذ الإعلا م بعيدا عن النفق المظلم الذي يسير به. وهي مهمة صعبة ولكنها ليست متسحيلة.