تحدثت وسائل الإعلام مرارا وتكرارا عن بنود الاتفاق الأميركي-الروسي بشأن التهدئة والهدنة في سورية, رغم أن الطرفين الأمريكي والروسي لم يعلنا بنود الهدنة حتى الآن أو لم يتطرقا بشكل واضح وصريح للشروط المتبعة في تطبيق هذه الهدنة التي بدت أنها هشة وغير واضحة المعالم وغير منصفة للحلقة الأضعف ألّا وهي الشعب السوري الثائر الذي ترتكب بحقه مجازر يومية, ويمارس النظام بحقه سياسة ممنهجة قائمة على الحصار والتهجير وإفراغ البلدات ومراكز المدن الثائرة من أهلها.
صحيح أن الطرف الروسي تحدث على لسان بعض المسئولين في السلك الدبلوماسي الروسي عن بعض بنود الاتفاقية, لكن الطرف الأمريكي لم يصرِّح بذلك حتى الآن بشكل علني, بل إن المفاجأة الكبرى أن تطلب بعض الدول الغربية كفرنسا من شركائها الأمريكيين أن يخبروها بتفاصيل الاتفاق الروسي –الأمريكي.
يعبر هذا الموقف الجديد عن حالتين:
الحالة الأولى تتمثل بتماسك وصلابة الموقف الروسي وحلفائه على الأرض مثل النظام السوري والإيراني عن طريق تسريب بنود الاتفاق الذي تثق السياسة الروسية تماما بأنه يحقق أقصى درجات طموحها وتطلعاتها في المنطقة مع مراعاة مصالح النظام السوري وداعميه, لأن جميع الشروط والبنود تصب في صالح النظام السوري بل وتعطيه الشرعية الكاملة من جديد بعد أن جردتها منه العديد من الأطراف الدولية في وقت سابق، وعلى الطرف المقابل يُظهِر تعتيم الولايات المتحدة الأمريكية لبنود اتفاقها مع روسيا حجم المأزق الذي تعانيه الإدارة الحالية للبيت الأبيض وخصوصا بعد أن ظهرت العديد من الخلافات بين وزارتي الخارجية والدفاع من جهة وبعض المسؤولين البارزين في “البنتاغون” من جهة أخرى حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الأزمة السورية.
الحالة الثانية تتمثل بوضع العديد من إشارات الاستفهام حول سياسة التغييب التي تنتهجها الإدارة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية, أو بمعني آخر سياسة الإقصاء عن طريق إبعاد الدور السياسي للعديد من الدول الإقليمية في المنطقة ولا سيما الأطراف العربية الفاعلة, وبعض الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا, حيث باتت هذه الدول بعيدة كل البعد عن ممارسة أي ضغوطات سياسية ودبلوماسية على النظام السوري وداعمه الأكبر “القيصر الروسي” الجديد.
يؤمن العديد من الباحثين السياسيين بأن الإدارة الأمريكية الحالية تسعى جاهدة إلى إبرام اتفاق عاجل مع روسيا يراعي العديد من المصالح الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم, من خلال أسلوب المقايضة بالملفات, كالملف السوري والأوكراني مثلا, ولكن من دون وضع أي آليات تجبر الطرف الروسي على التنفيذ, وتعبر هذه الخطة الحالية عن رغبة إدارة الرئيس الأمريكي الحالي “بارك أوباما” بوضع لبنة أساسية لاتفاق “هش” مع الطرف الروسي, وترحيل الملف بالكامل إلى الإدارة القادمة على شكل تركة كبيرة ومعقدة, حتى تستطيع الإدارة القادمة أن تبني سياسات جديدة لها في المنطقة انطلاقا من البوابة السورية.
وفي كل الحالات يبدو أن الروس وحلفائهم هم المستفيدون من هكذا اتفاقات وصفقات مع الطرف الأمريكي, وهذا ما يفسر التمادي الروسي مع النظام السوري حتى الآن بالإصرار على استمرار الطلعات الجوية لكلا الطرفين وقصف العديد من الأهداف رغم إعلان بدء سريان اتفاق “وقف الأعمال العدائية” ودخوله حيز التنفيذ.
لكن المشكلة الكبرى تبقى في تقييد أحد الأطراف على الأرض وإطلاق يد الطرف الآخر, وهذا ما يحصل تماما في كل اتفاق لوقف إطلاق النار على الأرض السورية, لذلك دائما ما يتم انهيار الاتفاق عند انتكاسة لقوات المعارضة ومغانم كبيرة لقوات النظام.
وكما تعودنا دائما على وعي كبير يتمتع به الشعب السوري الثائر في الداخل الذي استطاع أن يفشل عددا كبيرا من الهدن المبطنة بأهداف تسعى لضرب وحدة الصف وإحداث شرخ كبير بين أبناء الشعب السوري الواحد في الداخل.. ربما ينجلي الغبار عن الموقف الأساسي لأبناء الداخل في الأيام القادمة وهو الموقف الأهم الذي يستطيع التحكم بمجرى الأحداث السياسية والعسكرية على الأرض وبكل تفاصيلها!
المركز الصحفي السوري- فادي أبو الجود