اندلعت الثورة السورية بكل ما فيها من جمال لأنها تعتبر أول كلمة شعبية ضد جلادهم، مع ما لاقوه من أعتى أنواع العذاب والقهر على يديه الملطختين بدماء الأطفال، تبقى ذكريات التهجير والنزوح في مخيلة من عاش مجريات حرب النظام على البشر والحجر.
حسن الشاب العشريني ذو الوجه البسام المتفائل يتحدث عن ذكريات النزوح بعد أن ترك مدينته وبيته شرق حلب، كنت طالبا في جامعة حلب ومع بداية الثورة واشتداد القبضة الأمنية للنظام في المدينة منعني أهلي من الذهاب للدراسة، كان بيتنا هادئا يضج بأصوات الأشقاء الذين كل منهم أصبح بمكان.
ذات يوم في شتاء 2013 اشتد قصف النظام على المدينة بالمدفعية ذات الصوت المزعج التي تنفجر بعد خمس ثواني من انطلاقها “حاملة الموت أو بترَ يد أو قَدم أحد من الناس” هكذا يصف حسن المشهد المروع.
بدأ الناس في مختلف الحارات يتجهزون للرحيل من بيوتهم خوفا على أولادهم المرتعبين من تلك القذائف، مع أننا خرجنا حسب ما أذكر آخر الناس من الحارة بعد أن أصبحت كالأشباح شيء لا يعقل قد لا تجد في التاريخ شيء يشبه هذا مدينة لا يوجد فيها إنسان، الشوارع الكبيرة لا تسمع فيها غير أصوات الرياح التي تنقل أوراق الشجر الحزينة وكأن حالها يبكي على الناس الذين غادروا أو الأطفال الذين دائما ما كانت أجسادهم الطرية تلامس جذوعها التي تحكي قصص الآباء والأجداد.
يصف حسن المدينة حيث تختفي مشاهد لعب الأطفال أمام البيوت بالكرة والحجارة وغياب صياحهم الذي يملأ المكان مثل سرب من العصافير تحمل رسالة انبعاث للحياة.
خرج أبو حسن ذات صباح شاحب ساكن على غير عادته وكأن أمرا سيحدث بعد أن ترك الكل المدينة، لتقطع السكون انفجارات مدفعية في القرب من البيت حولت نور الشمس إلى ظلام، رائحة الهدوء إلى بارود، الرعب بقلوبنا التي أصبحت تنبض بسرعة، أصواتنا انقطعت لهول المشهد، بدأ الكل يسبح ويطلب من الله الرفق بحال الصغار والأطفال الذي وصل صراخهم عنان السماء.
جاء أبوه مسرعا ويقول “الكل يضب الغراض الضرورية وانت يا مرة جيبي كل الأوراق المهمة خلص كنت ما بدي اترك البيت يلي عمرتو بس حاس ريحة الموت حواليكن،يقول بتأتاة فيها شدة على غير فصاحته وخشونة كلامه.
ذهب الكل يجهز حاجياته ويخرج ملابسه الشتوية وبدأت أمي بترتيب البيت كعادتها ظنا منها أنها ستعود غدا أو بعده إذ تركت الطخبة التي لم نأكل منها شيء في البراد وقالت بكرى بسخنها الكن، هكذا الأمهات، مع أن فكرنا وعقلنا لم يكن في الأكل أو المرح بل كيف سنمشي تلك الخطوات القليلة في الخروج من المدينة لكنها الفاصلة لحياتنا.
يذكر أن التقارير الدولية تشير إلى نزوح أكثر من 6 مليون سوري داخل البلاد في مشاهد قلما تجد لها شبيها، مع انعدام أبسط الحاجات الضرورية.
قصة خبرية /طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع