بيروت-“القدس العربي”: عبّر اللقاء الخاص الذي جمع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في بكركي عن عمق العلاقة التاريخية التي تربط البطريركية المارونية بفرنسا التي كان يطلق عليها الموارنة لقب “الأم الحنون” قبل أن يعتبر بعضهم وخصوصاً في ظل نظام الوصاية السورية أن الأم ابتعدت عن أبنائها.
وإذا كان نداء البطريرك الراعي حول الحياد شكّل محور البحث مع وزير الخارجية الفرنسي بعدما استبق الراعي الاجتماع بدعوة البطاركة الكاثوليك إلى اجتماع في الصرح البطريركي حيث اتخذ موقف موحّد من نداء بطريرك الموارنة حول حياد لبنان، فإن هواجس المسيحيين من الأزمة الاقتصادية والمالية وأزمة الحريات ومصادرة السيادة والقرار الحر بعد 100 سنة على إعلان لبنان الكبير لم تغب عن الاجتماع حيث شرح البطريرك الماروني ما يعانيه الموارنة واللبنانيون عموماً من أزمات تدفع بالعديد منهم إلى التفكير بالهجرة الأمر الذي يُفرِغ لبنان والشرق من مسيحييه ويفقد وطن الأرز طابعه كوطن رسالة بين الأديان والحضارات.
وفي وقت بدا الزائر الفرنسي مستمعاً بعناية الى هواجس البطريرك، فهو أكد على أهمية النأي بلبنان عن صراعات المنطقة ، وهو ما أكده في مؤتمره الصحافي مع نظيره اللبناني ناصيف حتّي، رافضاً الردّ على أسئلة الصحافيين حول الموقف من حزب الله.
وكان لقاء البطاركة الكاثوليك شارك فيه إلى الراعي بطريرك الروم الكاثوليك يوسف العبسي، بطريرك السريان الانطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك غريغوار بيدروس العشرين، والمطرانان شاهيه بانوسيان ومكاريوس اشقريان ممثلين عن كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأورثوذكس آرام الأول كيشيشيان، وجاء في البيان الختامي ” استمع البطاركة إلى العرض الذي قدّمه الكاردينال الراعي حول “نظام الحياد”، وردّات الفعل عليه، وهو نظام ينبع من رسالة لبنان الحضارية، وقد تلازَمَ مع نشوء الكيان اللُّبنانيّ كمطلبٍ ملائم “لموقع جبل لبنان وطبيعة أهاليه الموالفة للحريّة والاستقلاليّة منذ القدم ممّا استلزم استقلاله وحياده السِّياسيّ”، كما جاء في مذكّرة مجلس إدارة متصرّفية جبل لبنان في 10 تموز 1920”.
وأضاف ” لقد اعتمد لبنان، منذ إقرار ميثاق 1943، سياسة الحياد وعدم الانحياز على قاعدة أن “لا وصاية، ولا حماية، ولا امتياز، ولا مركز ممتاز لأي دولة من الدول الشرقيَّة والغربيَّة، بل يكون وطنًا سيّدًا حرًّا باستقلالٍ ناجز”. هذه كانت سياسة دولة لبنان الخارجيَّة المتكرّرة في البيانات الوزاريَّة منذ الحكومة الأولى برئاسة رياض الصلح سنة 1943 حتى الحكومة الثالثة والخمسين برئاسة شفيق الوزَّان سنة 1980. وظلَّت الحكومات المتتالية تؤكِّد نهجَ الحياد وعدم الانحياز على أساس أنَّ لبنان جزءٌ لا يتجزَّأ من العالم العربيّ، يُقاسِم إخوانَه العرب سرَّاءهم وضرَّاءهم، ويعمل دائمًا على شدّ أواصر الأخوّة وتوثيق عرى المحبَّة بينه وبينهم؛ وأنَّه منفتحٌ على الدُّنيا بأسرها، وغير منحازٍ إلى أيِّ تكتُّلات وأحلاف سياسيَّة أو عسكريَّة، ويستند في كلّ حال إلى شرعة الأمم المتَّحدة. وعادت الدَّولة اللُّبنانيَّة لتؤكِّد في “إعلان بعبدا” بتاريخ 11 حزيران 2012 : “تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصِّراعات الإقليميَّة والدَّوليَّة وتجنيبه الانعكاسات السَّلبيَّة للتَّوتُّرات والأزمات الإقليميَّة، وذلك حرصًا على مصلحته العُليا ووحدته الوطنيَّة وسِلمِه الأهليّ، باستثناء ما يتعلَّق بواجب التزام قرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة وبخاصة المتصل منها بالأراضي اللبنانية التي لا تزال تحت الاحتلال الاسرائيلي، والإجماع العربيّ والقضيَّة الفلسطينيَّة المحقَّة، بما في ذلك حقُّ اللَّاجئين الفلسطينيّين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم”.
ولفت بيان البطاركة إلى ” أنَّ طرح مشروع نظام الحياد بعيدٌ كليًّا عن أيِّ تفكيرٍ طائفيٍّ أو سياسيٍّ أو فئويٍّ، بل هو طرحٌ وطنيٌّ جامعٌ ولمصلحةِ كلِّ اللُّبنانيّين من جهةِ، ولمحيطِ لبنان المشرقيِّ ـــ العربيِّ من جهة أخرى. فحيادُ لبنان هو مشروعُ سلامٍ لا مشروعُ حرب، وهو مشروعُ اتفاق لا مشروعُ صراع. إنَّ لبنانَ غيرُ قادرٍ على البقاء رهينةَ التجاذبات والمشاريع الخارجية. لقد حان الوقتُ للخروجِ، يدًا بيدٍ، من التدهور والانهيارِ، ومن الأزماتِ المتتاليةِ. فكلّنا للبنان ولبنان لنا جميعًا “.
نقلا عن القدس العربي