يجد لاجئون قصّر في ألمانيا، وصلوا إلى البلاد من دون أهلهم أو مع أحد الوالدين، صعوبات عديدة في طريقهم، في ظل المعاناة اليومية التي يعايشونها والمستقبل المجهول
يعجز محمد (16 عاماً) عن التعبير عن التعب الذي يعانيه في ألمانيا. كان يأمل أنّه عندما يصل إليها سيتجاوز الكثير من الهموم والعقبات. هو الفتى السوري الذي اشتغل في معمل للخياطة في تركيا تسعة أشهر بهدف تأمين مصاريف الرحلة بالقارب المطاطي. اختار الهجرة في فصل الشتاء لاقتصاد أكبر مبلغ ممكن من المال مع انخفاض الكلفة إلى النصف. بذلك، لم يدفع أكثر من 600 دولار أميركي مكّنته من الوصول إلى اليونان، ومنها إلى ألمانيا التي ظنّ أنّ حياته وحياة عائلته العالقة في سورية، ستتغير فيها ما إن تطأ قدماه أرضها.
الواقع جاء مختلفاً. زاد الوضع تعقيداً بعدما رفض طلب لمّ شمل عائلته المؤلفة من أربعة أفراد في القنصلية العامة الألمانية في إزمير التركية أول مرة، وما زال ينتظر الحصول على جواب جديد بعدما تقدم بطلب لمّ شمل ثان منذ فترة. محمد الذي سمع الكثير عن طبيعة الحياة في ألمانيا والخدمات التي تقدمها السلطات للاجئين من مساعدات وإعانات اجتماعية، لم يصل منها شيء إليه كما يقول. يشير إلى أنّه لم يعان الكثير قبل الحصول على اللجوء في ألمانيا التي وصلها بداية العام، وهو الذي سلّم نفسه إلى السلطات الألمانية في ولاية سكسونيا السفلى حيث يسكن مع عمه وعائلته.
تكمن معاناة محمد النفسية والمادية في الصراع الذي يعيشه بين رغبته في الانتقال إلى دار للشباب، ورغبة الأهل لا سيما والده في البقاء في منزل عمه. يقول: “أعاني من تسلّط عمي. هو يستولي على المبلغ الشهري الذي يقدمه إليّ مكتب المساعدات، وقدمت شكوى بهذا الأمر لدى المكتب فنفى عمي التهمة وهو ما انعكس سلباً أكثر على علاقتنا وعلى حالتي بشكل عام. أشعر بالحزن ولا أستطيع التركيز في دروسي، على الرغم من الصعوبة التي أعانيها أساساً في التعامل مع المدرّسين بسبب عدم قدرتي على التواصل جيداً معهم. بتّ أكره المدرسة وأتغيب عنها. وبالرغم من خروجي من المنزل صباحاً، لكنني أذهب إلى الحدائق والأسواق رفقة بعض الشباب اللاجئين. ندخن ونمضي الوقت معاً”.
يضيف لـ”العربي الجديد”: “أشعر بالضياع. أفكر بالعودة إلى سورية لأجتمع بأهلي وإخوتي بالرغم من الوضع المأساوي هناك. وفي الوقت عينه، أخاف من إجباري لاحقاً على تأدية الخدمة العسكرية فأكون بذلك كتبت نهاية مصيري بيدي”.
لدى سؤال محمد ومصطفى عن طبيعة العمل الذي يرغبان فيه في حال الاستقرار في ألمانيا، لا يجدان جواباً. هما شبه ضائعين لا يعرفان شيئاً عن المستقبل. يشعران بالعزلة والضياع وصعوبة الاندماج على الرغم من تأكيدهما أنّ هناك زيارات دورية للعاملين في المجال الاجتماعي، حيث يقدمون للتلاميذ اللاجئين المساعدة، ويتواصلون مع الأهل بغية تحسين وترتيب أمورهم التعليمية والنفسية، مع الأمل في تحقيق بعض التقدم في مسار المغامرة الطويلة التي يخوضونها.
وضع محمد ومصطفى وكثير من اللاجئين القاصرين الذين جاؤوا إلى ألمانيا من دون والديهم أو من دون أحدهما، دفع العديد من الجمعيات، بدعم من البلديات والحكومات المحلية، إلى تقديم الرعاية في بيوت جهزت خصيصاً لمتابعة أوضاع هؤلاء وإيوائهم في ما يعرف ببيوت الشباب. هناك تقدم إليهم الرعاية النفسية، والمساعدة التعليمية، والغذاء، وتتابع أوضاعهم لدى الدوائر الرسمية، وتسعى إلى إشراكهم في العديد من النشاطات الترفيهية والرياضية وصولاً إلى سن الرشد أو التحاق عائلاتهم بهم في ألمانيا.
وكانت المفوضية الأوروبية قد أكدت مؤخراً أنّ الأطفال والقصّر هم من أضعف الفئات، والتي من الممكن أن تكون معرضة لأزمات نفسية أو الوقوع فريسة في يد عصابات الاتجار بالبشر. وحذرت من ارتفاع معدلات الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي. كذلك، حذرت المفوضية من الزيادة في أعداد المستغلين جنسياً، أو العمل بالسخرة، أو ضحايا تجارة الأعضاء، مشيرة إلى أنّ ثلثي الضحايا من داخل دول الاتحاد، ومنها دول مثل بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا.
بدورها، أظهرت هيئة الإحصاء الأوروبي “يوروستات” في مايو/ أيار الماضي أنّه جرى تسجيل 88 ألفاً و300 قاصر من دون أولياء أمورهم ضمن طالبي اللجوء العام الماضي، 90 في المائة منهم من الذكور، وأكثر من 50 في المائة تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً، معظم هؤلاء من سورية وأفغانستان.
العربي الجديد