كانت الفترة الزمنية الانتقالية بين أوباما وترامب، بمثابة الفترة المثالية لكل العناصر الفاعلية في سوريا للتموضع في مكان أفضل على طاولة الملف السوري، حيث استطاعت تركيا فرض نفسها من خلال عملية درع الفرات، كما أنّ روسيا وإيران فرضت وجودهما، وكان الكاسب الأكبر من هذه الفترة هو النظام السوري، والذي استطاع كسب المزيد من الوقت والحصول على موضع أفضل بكثير مما كان عليه قبل دخول روسيا إلى سوريا، كما أنّ الحملة الانتخابية لترامب ووجهة نظره المختلفة عن أوباما حول النظام السوري تُعتبر عاملا إيجابيا إضافيا لبشار الأسد.
وعملت كل هذه العناصر على ربط المسألة السورية بقرار جامع دون تأخير، كون هذه المسألة أصبحت مسألة دولية بالنسبة للأربعة دول المذكورة، ولذلك فإنّ المناقشات التي انطلقت في الأستانة تحمل في طياتها آمالا، برغم أنّ احتمال ان تكون تلك اللقاءات مثل لقاءات جنيف التي خرجت بدون نتائج، يبقى هذا احتمال وارد. كما أنّ عدم مشاركة أمريكا في هذه المناقشات يعتبر عنصرا آخر من عناصر القلق. ومع ذلك فإنّ القوى المشاركة في اللقاءات هي القوى التي تمثل الغالبية الساحقة للقوى الفاعلة على الأرض وصاحبة النفوذ في سوريا.
مـأسـاة سـتـطـال الـعـديـد مـن الأجـيـال
لا يوجد اليوم في العالم حرب أسوأ وأكبر من الحرب في سوريا، والتي أثرت على كل المنطقة وكل العالم، من خلال موجات الهجرة، والتي طالت أوروبا أيضا، ولا يوجد في سوريا اليوم مدينة أو قرية لم تدمّر كليا أو جزئيا، ولم يعد هناك أهمية للأرقام، فأكثر من نصف الشعب السوري خرج من بيوته، منهم 13 مليون خرجوا من سوريا، وأقل الأرقام والاحصائيات تشير الى مقتل أكثر من 370 ألف سوري خلال هذه الحرب، ولا يشعر أي احد على الأرض السورية بالأمان على نفسه برغم وقف إطلاق النار. هذه الحرب قضت على جيل كامل، ومأساتها ستنعكس على العديد من الأجيال اللاحقة.
عندما نرى المآسي في عيون المهجّرين من حلب، نُدرك تماما بأنّه لا يُمكن تأجيل الحل في سوريا أكثر من ذلك. وبالنسبة لتركيا فإنّ سوريا أصبحت ملاذا لعناصر داعش وحزب العمال الكردستاني، كما أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي سيطر على الشريط الشمالي للحدود السورية التركية، وهذا يُعتبر ناقوس خطر آخر، ولذلك فإنّ المأساة السورية لا تنحصر فقط على السوريين، بل إنّ المشاكل الناتجة عن ذلك تنتقل إلى تركيا والمنطقة، ولهذا فإنّ الحل ضروري، في سوريا وكذلك العراق.
خـيـارات تـرامـب
لذلك فإنّ كل خطوة سيتم اتخاذها في نقاشات الأستانة تحمل أهمية بالغة للحل النهائي، ولا شك أنه يتوجب دخول ترامب إلى هذا الملف، وان يعتاد سريعا على كرسي الرئاسة ويدخل في الملف السوري، سواء في الأستانة أو غيرها. كما أنّ خيارات ترامب وطريقة تعامله مع الأسد وروسيا ستكون عنصرا من العناصر الرئيسية المؤثرة في الملف السوري، واذا لم تقبل أمريكا بأنْ تقود روسيا عملية الحل في سوريا، فحينها ستستمر التعقيدات، أما الخيار الأفضل فهو أنْ يعمل ترامب جاهدا للتخلص من الملف السوري بسرعة، وينظر للأمام، لأننا تابعنا كيف أنّ أوباما ترك الملف السوري للزمن مما تسبب بمشاكل عديدة وارتدادات في الكثير من العواصم.
مصطفى قرة علي أوغلو – قرار – ترجمة وتحرير ترك برس