انكشفت في الشهور الأخيرة عدة محاولات لتهريب مخدرات من سوريا، في الإمارات والسعودية ومصر واليونان، غير أن العملية الأخيرة التي كشفتها السلطات الإيطالية الأسبوع الماضي لفتت الأنظار، أولا لأنها اعتبرت أكبر عملية مصادرة للمخدرات في العالم، وثانيا لأن من اتهم بها هو تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو ما صرحت به وحدة «غارديا دي فينانسا» الإيطالية الذين صوّروا عشرات الحاويات المليئة بحبوب الكبتاغون، تحمل 14 طنا (84 مليون حبة)، وهي أكبر حصيلة من هذه الحبوب تم العثور عليها عالميا، وتبلغ قيمتها، حسب الأسعار المعروفة، قرابة مليار دولار.
بدا اتهام تنظيم «الدولة» غريبا، مقارنة بالطريقة الصناعية المحترفة التي خبئت فيها الشحنات في تجاويف حديدية ضمن بكرات ورق ضخمة، فهذا الأمر لا يمكن أن يقوم به التنظيم الإرهابي في وضعيته الراهنة، وبالنظر إلى أن المفاوضات تمت مع عصابة مافيا إيطالية، وكان تمكن التنظيم من تأمين وصول هذه الشحنة الضخمة من مواقع صغيرة محدودة تتعرض للغارات الجوية، إلى مرافئ سورية بشكل رسميّ يتحدّى العقل، ولكن كيف نفسّر تصريح السلطات الإيطالية المؤكد بأن تلك الشحنة «تم تصنيعها في سوريا من قبل تنظيم داعش بهدف تمويل النشاطات الإرهابية»، ثم تصريح رئيس الوزراء جوزيبي كونتي بأن العملية «ضربة قوية ضد الإرهاب»؟
وجدت السلطات الإيطالية على الحبوب ما اعتبرته العلامة التجارية لـ«الدولة» وهي هلالان، وبما أن هذه الحبوب كانت منتشرة ضمن أفراد التنظيم فقد كان سهلا عليها، على ما يظهر، جمع 1 + 1 والخلوص إلى الاستنتاج الاستشراقي المريح لها وللنظام السوري، لكن الحقيقة التي تكشّفت، هي أن السلطات الإيطالية تستورد الفوسفات من سوريا، ولذلك فقد تواطأت عمليا مع النظام بإلقاء التهمة على تنظيم «الدولة».
تجاهلت السلطات الإيطالية قصدا الخطّ المتصاعد لسلسلة الإنتاج السورية للمخدرات، فقد كشف محققون يونانيون قبل العملية الأخيرة أكثر من 5 أطنان من كبتاغون، وعثرت السلطات المصرية على 4 أطنان من الحشيش معبأة في علب للحليب، وحينها اعتبر الملياردير السوري رامي مخلوف، الذي تعود الشحنة لشركة يملكها، الأمر إساءة مقصودة لـ»أعماله الخيرية»، كما كشفت السلطات السعودية شحنتين تعادلان 45 مليون حبة معبأة في علب المتّة، وهو أمر أثار السخرية لأن هذا النبات شديد الشعبية لدى الأقلية التي ينتمي لها الرئيس السوري بشار الأسد، والشرطة ترتبط بشقيق الرئيس ماهر الأسد.يقول تحقيق نشر مؤخرا في مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن هذه العمليات تديرها شبكة من المقربين لعائلة الأسد، وأن المسؤول المباشر عن الشبكة هو سامر كمال الأسد، أحد أقارب الرئيس السوري، الذي يمتلك عدة معامل لإنتاج الكبتاغون، فيما يتم تمويه أعمال الشركة على أنها لتصنيع مواد التغليف، وقد استغلت هذه الشركة معملا لإنتاج الورق في حلب لا يقع تحت طائلة العقوبات الدولية، وتمت عملية النقل باستئجار ثلاث حاويات من شركة إيطالية.
تشير التفاصيل كلّها إلى أن النظام السوري، الذي برع كيميائيوه في اختراع أشكال من القتل الجماعي بالبراميل المتفجرة، واشتهر بعمليات قصف المدنيين بأسلحة كيميائية، قرّر أن ينقل خبراته إلى مجال المخدرات بحيث يصبح مركزا ينافس المركز اللبناني، الذي تشتهر بعض عشائره في البقاع، تحت تغطية أمنيّة من «حزب الله»، بصناعة الحشيش والكبتاغون، وربّما يطمح النظام أيضا، إذا قرأنا خارطة انتشاره نحو الخليج العربي وأوروبا، إلى منافسة مافيات عالميّة كبرى بتأمين حاجات السوق الأوروبية والآسيوية، فهو على عكس تلك المافيات، يسيطر على بلد بأكمله.
نقلا عن القدس العربي